الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة: المقال الستون
تقريراتٌ مختصرةٌ
لدرس سماحة السيِّد محمَّد السيِّد علي العلوي (حفظه الله)، في كتاب الفصول
المهمَّة في أصول الأئمَّة، بقلم محمود سهلان العكراوي:
المقال الستون:
أبواب الكلِّيات
المتعلِّقة بأصول الدين وما يناسبها - ب١٨ - أن الله سبحانه لا يدرك له كنه ذات
ولا كنه صفة:
]١٠٤[
الرواية الأولى: محمَّد بن يعقوب، عن محمَّد بن يحيى، عن أحمد بن محمَّد، عن
الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن عاصم بن حميد، قال: سُئِل علي بن الحسين
(عليه السلام) عن التوحيد؟ فقال: إنَّ الله عزَّ وجلَّ عَلِم أنَّه يكون في آخر
الزمان قومٌ متعمِّقون فأنزل الله {قُلْ هُوَ الله أَحَد} والآيات من سورة الحديد
إلى قوله: {عليمٌ بذاتِ الصدور}، فمن رَامَ وراءَ ذلك فقد هلك.
الرواية السادسة
موضحة للخمس الأُول من الباب، فالروايات الخمس واضحةٌ في النهي عن الكلام في ذات
الله، والسادسة تُبيح الكلام في صفاته تعالى.
رَامَ في اللغة: قَصَد.
فقوله (من رام) يعني من قَصَد.
التعمُّق المذكور
في الرواية ليس هو في مقام المدح ولا في مقام الذم، فهو راجعٌ عادةً إلى الحاجة،
ولا أفضلية لغير المتعمِّق على المتعمِّق أو للثاني على الأول ما دام كلٌّ منهما
يتصرف بحسب الظروف التي يعيشها، فبعضنا لا يضطره ظرفه ومجتمعه للتعمُّق وبعضنا
الآخر كطلبة العلم مضطرٌّ للتعمُّق، وتقديمي لظرفٍ على آخر أو لمجتمعٍ على آخر
-لأكون فيه- ينبغي أن يكون لمرجِّحٍ صحيح.
تنبيهان:
الأول: الإنسان
العاقل المؤمن يسعى دائمًا لما يُتيحه الله تعالى له فقط، أما البحث فيما أخفاه
الله تعالى عنك يؤدي للهلكة في الكثير من الأحيان، وأيُّ كُلفةٍ زائدةٍ على المُتاح
فأنت يقينًا على خطأ، وليس القياس هو ما يصل إليه الإنسان، بل القياس يكون بالوصول
بالطريق المَرضِيِّ عند الله سبحانه وتعالى.
الثاني: التعمُّق
مفهومٌ مُشكِّكٌ ولا يوجد نهيٌ عنه بشكلٍ مُطلق، وضابطه هو الإمساك عند حدِّ
الزمان والمكان وحدِّ ما يُحيط بك في هذه النشأة.
إذن العمق المسموح
به إلى {قُلْ هُوَ الله أَحَد}، وبعد الأحد لا يُمكِنك التفكير فهو خارج
حدود إدراكك كما تبيَّن ممَّا مَر، والأحد دائرٌ بين الوجود والعدم، فإذا أَعدَمت
الأحد ذهبت إلى العدم، فكيف يمكنك أن تفكِّر؟
استطراد:
قد يتحول حكم
التعمُّق إلى الوجوب الكفائي أحيانًا كما إذا توقَّف ردُّ الشبهات عليه، ما دام
هذا التعمُّق في الحدود التي رسمها الشارع المقدس.
]١٠٥[
الرواية الثانية: وعن محمَّد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن الحسن بن محبوب، عن علي
بن رِئاب، عن أبي بصير، قال: قال أبو جعفرٍ (عليه السلام): تكلَّموا في خَلقِ الله
ولا تتكلَّموا في الله، فإنَّ الكلام في الله لا يزيد صاحبه إلا تحيرا.
هذه الرواية من
طبيعة التفكير البشري، فإن فِكرَ الإنسان قائمٌ على تشخيص الموضوعات، وتشخيص
الموضوعات قائمٌ على المقارنة، وهي لا تكون إلا من بعد التمييز، ولو أراد أن يفكِّر
في الله فذلك مستحيل لأنه لا ضدَّ لله تعالى، فما قاله الإمام (عليه السلام) موافقٌ
تمامًا لما عليه الطبيعة البشرية في التفكير، ولكن هذا التفكير في المخلوق،
والطريق الصحيح على هذا يكون بالانطلاق من المعلول إلى العلة، والعلة هي الذات،
وإذا وصلنا إليها نمسك وإلا وقعنا في الحيرة.
تعليقات
إرسال تعليق