من هنا وهناك (٣٦) القناعةُ ليست علّة الامتثال

من هنا وهناك (٣٦) القناعةُ ليست علّة الامتثال

الكثير من الأحكام الشرعية يهجرها بعضُنا بحجة عدم الاقتناع بالفعل، والمطالبة بمعرفة مِلاك الوجوب أو مِلاك الحرمة، بينما أن معرفة الملاك ليس من وظيفة المكلَّف، إنما عليه الامتثال سواء عرفه أم لا، واقتنع قناعةً شخصيةً أم لا..

الامتثال مطلوبٌ للمكلف بما أن المولى أمر به ووعد بالكمال عليه والعقاب على مخالفته، فينبغي للعبد أن يمتثل تعبُّدًا لأنه حقٌّ للمولى، وهو الله تعالى، فالإيمان كافٍ ليبعث العبد نحو أوامر المولى ويزجره عن نواهيه، فكلما ثبت أنه مرادٌ للمولى إيجادًا أو إعدامًا لزم أن يمتثل له العبد، ولا يأتي الكلام عن القناعة الشخصية أبدا.

حسب ما مرّ بيانه نقول: أن تخلّف العبد عن الامتثال حينها إنما هو بسبب خللٍ في إيمانه وإذعانه لله تعالى، أو جهله بطبيعة العلاقة بينه وبين مولاه، وليست المسألة راجعةٌ للقناعة في الواقع، حتى لو كان ظاهر الأمر رجوعها للقناعة.

من الأمثلة التي تكرّر ذكرها، ولا زلنا نحتاج للتذكير بها مسألة الحجاب الشرعي، فالكثير ممّن لا يتحلَّينَ بارتداء الحجاب الشرعي يُبرِّرنَ ذلك بعدم اقتناعهن، بل ويُبرر آبائهن وأمهاتهن ذلك لنفس السبب، والجواب هو ما مرّ بأن الامتثال لأوامر المولى لا ينبغي تركه بسبب القناعة الشخصية، وعدم الاقتناع بالحجاب الشرعي لا يسوغ لأي أحدٍ تركه.

بعض الأفعال لا يصح تركها للأبناء حتى يبلغوا سن البلوغ ويقرروا بحسب قناعتهم، بل لا بد من تعويدهم على ذلك منذ الصغر، ولا إشكال في مسألة الاعتياد التي ترسّخ الارتباط بين الإنسان والفعل، وورد في ذلك بعض الروايات خصوصًا التي تحدّثت عن تعليم الصلاة في سنٍ مبكرة، لذلك ندعوا المؤمنين والمؤمنات للانتباه جيدًا كي لا يقعوا في مصائد الشيطان، فيصيبهم الندم لخسارة أبنائهم وبناتهم دون أي مبرّرٍ واقعي.

محمود سهلان
٣ جمادى الأولى ١٤٤٠هـ
١٠ يناير ٢٠١٩م

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مِدادُ أوال من ينابيعِ الخِصال (٢) التوحيدُ أصلُ الأصول

كراهة نيَّة الشر

الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة: المقال العشرون