لماذا هم خيرُ الأصحاب؟!
لماذا هم خيرُ الأصحاب؟!
قام الحسين في ليلة العاشر خطيبًا في أصحابه وقال: "إني لا أعرف أهل بيتٍ أبرّ ولا أزكى ولا أطهر من أهل بيتي، ولا أصحابًا هم خيرٌ من أصحابي، وقد نزل بي ما قد ترون، وأنتم في حلٍّ من بيعتي، ليست لي في أعناقكم بيعة، ولا لي عليكم ذمّة، وهذا الليل قد غشيكم فاتّخذوه جملًا، وتفرّقوا في سواده، فإن القوم إنما يطلبوني، ولو ظفروا بي لذُهلوا عن طلب غيري"[أمالي الصدوق].
يقول -عليه السلام- أنه لا يعلم أصحابًا خيرًا من أصحابه، وهو الإمام المعصوم فليست المسألة مسألة عاطفةٍ إذًا، فلماذا كانوا كذلك؟ ولماذا تفوّقوا على غيرهم من الأصحاب؟
في هذه المقالة أُحاول تسليط الضوء على بعض الجهات، وإلا فإنني أتصوّر أن المسألة أكبر من ذلك، لعلني أوفّق في إصابة شيءٍ منها حتى أظفر بالمزيد في قادم الأيام..
قد يقول البعضُ أصحاب رسول الله (ص) في غزوة بدرٍ أفضل، لكن ذلك منفيٌّ بما قاله الحسين (ع) عن أصحابه، مع ما كان من جلالة القدر لأصحاب رسول الله (ص) المخلصين.
أصحاب رسول الله (ص) كانوا يقاتلون مع صاحب الرسالة التي مَن آمن بها فهو يقاتل الكفر والكفّار حينها، مع المرسل من الله تعالى والذي لا خلاف عليه بين المسلمين، بينما مَن يقاتل مع الحسين (ع) فهو كان في صفَّّ من اختلفت الأمة فيه -ظلمًا- وقد كان في مواجهة الخلافة الإسلامية، فالطرف الآخر يدّعي أنه يمثل الإسلام كذلك، والمسألة هذه فيها من الصعوبة الكثير ولها الأثر البالغ في النفس بما لا نستطيع تصوّره، فكيف تقوم الحرب بين المسلمين في قربِ عهدٍ من رسول الله (ص)؟!
قال تعالى: (كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ * يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ)[الأنفال/٥-٦].
هذا كان من أصحاب رسول الله (ص) في بدر، حيث كان بعضهم كارهًا للقتال، وكان يجادل رسول الله (ص) في الحق، حيث أنه لا ينطق إلا الحق، فهو وحيٌ يوحى لا أمر من الهوى، أمّا مَن ثبت من أصحاب الحسين (ع) فكانوا يجدون الموت بين يديه أحلى من العسل، وكانوا العارفين بمقام قائدهم، والعارفين أنه ينطق الحقّ وهو الطريق إلى الحق، وقد تشربت قلوبهم الإيمان كما ينبغي أن يكون، حتّى أحلّهم من بيعته وسمح لهم بالمُضيّ لكنهم رفضوا ذلك وثبتوا معه.
قال عزّ وجلّ: (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَن يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ)[الأنفال/٧].
يُخبر سبحانه وتعالى عن أصحاب رسول الله (ص) في بدر، وكيف كانوا لا يريدون الحرب خوف الموت والضرر، فقد كانوا بين أن يرحلوا شهداء بين يدي رسول الله (ص) وبين أن يَشهدوا النصر بأعينهم، ونعلم كيف كان الانتصار في غزوة بدرٍ شديدة الأهميّة في تاريخ الإسلام، ولكنهم تردّدوا وخافوا من خوضها، بينما نجد أصحاب الحسين (ع) يأنسون بخوض المعركة نُصرةْ للدين الحقّ وللقائد الحقّ مع علمهم أنه لن يكون لهم الانتصار العسكري الظاهري، لكنهم وجدوا أن ذلك تكليفهم فامتثلوه رضوان الله تعالى عليهم.
في بدرٍ وَعدَ الله جلّ وعلا المسلمين بالنصر، وأمدّهم بجنوده من الملائكة وغيرهم مع قلتهم في قبال العدو، وكان لهم النصرُ الذي وعدهم الله إياه، بينما كان أصحاب كربلاء موعودون بالشهادة حيث أخبرهم الإمام الحسين (ع) بذلك، وأخبرهم بأنه يِقتل وبما سيجري عليهم من القتل والتنكيل، لكنهم ثبتوا بل تسابقوا للقتل من أجلِ الدين وسيده، وتفنّنوا في كلماتهم في معاهدة الحسين وأهله (ع)، فهذا يقول لو أنه قُتل وقُطّع وأُحرق سبعين مرّة لما ترَكه، وذاك يعده بالثبات، وذاك يفديه ويفدي الدين بنفسه وأهله وكلِّ ما يملك، فكانت تلك الملحمة العظيمة.
لماذا هذه المقارنة مع أصحاب رسول الله (ص) في غزوة بدر؟
هذه المقارنة لأن الثابتين مع رسول الله (ص) كانوا من خير الأصحاب من جهة، ولأنهم أصحاب نفسِ الرسول المبعوث بالدين، فالقرب منه ومشاهدته والسماع منه يصنع ما يصنع في النفس، وهم في مواجهة الكفّار على أيّ حال، بخلاف من يُقاتل مع رجلٍ مطاردٍ من السلطة التي تدّعي شرعيتها الإسلامية، فإن أثبتنا أفضليَّة أصحاب الحسين (ع) على هذه الفرقة التي لها الكثيرُ من الفضل، فتكون الأفضليّة مستقرّةٌ على أغلب الأصحاب؛ أعني أصحاب أي نبيٍّ أو وصي نبي أو قائد.
أصحاب الإمام المنتظر -عجل الله فرجه الشريف- أقل ما يتميز به حالُهم أنهم موعودون بالنصر في هذه الدنيا كما كان في بدر، فهم يُقاتلون على أملِ الانتصار وإرساء قواعد هذا الدين، مع احتمال استشهادهم في سبيل الله تعالى، بينما لا خيار سوى القتل لأصحاب إمامنا الحسين (ع)..
هذه بعض لفتات أردت طرحها هنا، وإلا فإنني أتصور أن المسألة أعمق من هذا كما أشرت.
هذه الثلّة المؤمنة ينبغي لنا أن نتعلّم الدروس منها، لذا أرجو لنفسي وأدعو من يقرأ هذا المقال للبحث في سيرة هؤلاء والاقتداء بما قدّموه خصوصًا في ظهيرة يوم العاشر من المحرّم.
محمود سهلان
٦ محرم الحرام ١٤٤٠هـ
١٦ سبتمبر ٢٠١٨م
قرية العكر - البحرين
تعليقات
إرسال تعليق