مراجعة: المُكنة البنائيّة في الإجازة الروائية

مراجعة: المُكنة البنائيّة في الإجازة الروائيّة
(ورقةٌ في توسعة الغاية من علمي الدراية والرجال).
للكاتب: السيد محمد السيد علي العلوي

* مقدمة:

يشير الكاتب في المقدّمة لاهتمام المسلمين منذ بدايات عصر الوحي بمسائل إسناد النصوص والوقائع إلى ناقليها، ويبدو أن الغاية كانت التوثّق من الأخبار من خلال معرفة حال الناقل، وأنه من المعروف في الأوساط العامة والخاصة أن الغاية من الإسناد هي الوقوف على المنقول من حيث القبول والرّد.

إلا أنه يرى أن هناك أبعادًا أخرى يمكن أن نستفيدها من حالة الإسناد، خصوصًا مسألة الإجازة الروائية وسلسلة رجالها كما سيبيّن.

من الواضح عدم دخول الإجازة اليوم في تصحيح الحديث كما يرى المحقّق البحراني -قدس سره- ويتفق المؤلف معه في ذلك، إلا أن هناك بعض اللفتات في كلام الشيخ البحراني يمكن أن نستفيد منها كما يرى المؤلف، ومن أهم ما يُلفت النظر هو اعتبار الشيخ كون المُجاز أهلًا للمقام كما قرّر في لؤلؤة البحرين.

يرى المؤلف دخول الإجازة الروائية في عمق البناء الثقافي والتنظيم الإداري للمجتمع، وهذا ما سيتطرق إليه في خمسة عناوين متلاحقة، مع أن المُجيزون والمُجازون قد يكونون غير ملتفتين لهذه المستبطنات، لكنّ ذلك في نظره لا يعني عدمها فوجودها موضوعيٌّ في الإجازة.

* الكاشفية العلمية وبعد حراسة العلم:

تكشف الإجازة عن مستوى من العلم والمعرفة يراها المجيز في المجاز وعنايته بذلك، ويؤيد هذه الدعوى المقامات العالية التي نجدها للواقعين في سلسلة الإجازات الروائيّة.

لذلك يلعب رجال سلسلة الإجازة دورَ حماية الحديث روايةً ودرايةً وفهمًا يحمي المجتمع من الفهم الخاطئ لثقل العترة ومن إثارة الفتن. فيما قد تحقق الإجازة حراسةً أمنية للإسلام، فتصير سورًا جامعًا طاردًا.

* بناء النفسية المسؤولة:

يحمل المجاز كلامًا نوريًّا مقدّسًا فيدفعه ذلك لأن يؤدّب نفسه ويجعلها في لياقةٍ دائمةٍ لتحمّل هذه الأمانة العظيمة.

* تقلّص المسافات بين المدارس الفقهية والاجتهادية، وانحصار فرص التقول:

تتشكّل التوجّهات الفكرية بحسب الاختلاف في المباني والرؤى، ويرجع هذا غالبًا إلى الظروف السياسية والاقتصادية للإنسان، من جهةٍ أخرى نرى -على سبيل المثال- الامتداد الثقافي بصبغةٍ واحدةٍ للأحزاب على مدى عقودٍ من الزمن مع بعض الاختلافات داخل الإطار، حيث أن الأمر يرجع لأدبيّات الحزب.

لذلك مع ضبط مسألة الإجازة يمكن تقليص التفاوت والأفهام والرؤى بين المؤمنين.

* التباني الثقافي والتقارب الفكري:

تستوعب الإجازة مناطق متباعدة من مواطن العلماء والمؤمنين، ومع امتداد هذه السلسلة التي أجيزت في نفس الكتاب أو في عدّة كتبٍ يكون لديها أرضيةٌ ثقافيةٌ خاصّة أوجدها ضبط الكتب، وتنعكس هذه الأرضية المشتركة على المؤمنين لإشراف رجال السلسلة عليهم.

* الترابط الاجتماعي، ووحدة القاعدة التربوية:

لو تمّ البناء الثقافي على متانة الأرضية التي توفِّرها الإجازة لتمكّنت المجتمعات الشيعية من تقليص المسافات بينها، حيث أنها عولمةٌ طبيعية للثقافة والفكر المبني عليها من منطلقاتٍ إسلامية متينة وازنة.

* كلمة الختام:

يرى المؤلف أن ما ذكره رؤوس أقلام ليس إلا، بينما لو اهتم المختصّون في العلوم الإنسانية من المؤمنين، خصوصًا علمي النفس والاجتماع، وتمكّنوا من الوقوف على أهمّيّتها لبناء مجتمعٍ متماسك، لربما كانت نقلةً نوعيّةً نحو نهضةٍ إسلامية.

أقول: لا يغيب عن المتأمّل أهمية ما ذكره المؤلف، وضرورة أخذ الأمر على محمل الجد، خصوصًا من جهة النتائج المتوقعة، ثم العمل على ما يمكن الوصول من خلاله إليها، إما بالإجازة الروائية أو بطرقٍ أخرى سليمة يرضاها الله -جلّ جلاله- ورسوله (ص).

ملاحظةٌ عامّة: يتمتع المؤلف باحترامه وتقديره للجهة المخاطبة على اختلافها علميًّا وثقافيًا وفكريًّا، وكذلك على اختلاف مجالاتها.

محمود سهلان
٢٣ ذو الحجة ١٤٣٩هـ
٣ سبتمبر ٢٠١٨م

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مِدادُ أوال من ينابيعِ الخِصال (٢) التوحيدُ أصلُ الأصول

كراهة نيَّة الشر

الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة: المقال العشرون