الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة: المقال الثلاثون

 


تقريراتٌ مختصرةٌ لدرس سماحة السيِّد محمَّد السيِّد علي العلوي (حفظه الله)، في كتاب الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة، بقلم محمود سهلان العكراوي:

 

المقال الثلاثون:

 

[٤١] الرواية الثالثة: وفي التوحيد وعيون الأخبار، وعن محمَّد بن علي ماجيلويه، عن عمِّه، عن أبي سَمينة محمَّد بن علي الكوفي الصيرفي، عن محمَّد بن عبد الله الخُراساني خادم الرضا (عليه السلام)، قال: دخل رجلٌ من الزنادقة على الرضا (عليه السلام) وذكر الحديث، إلى أنْ قال الرجل: فما الدليل عليه؟ قال أبو الحسن (عليه السلام): إنِّي لمَّا نظرتُ إلى جسدي فلم يمكنِّي فيه زيادةٌ ولا نقصانٌ في العَرْضِ والطولِ ودفع المكاره عنه وجرِّ المنفعة إليه، علمتُ أنَّ لهذا البنيان بانيًا فأقررتُ به، مع ما أرى من دوران الفَلَك بقدرته وإنشاء السحاب، وتصريف الرياح، ومجرى الشمس والقمر والنجوم وغير ذلك من الآيات العجيبات المُحكَمات المتقنات، علمتُ أنَّ لهذا مقدِّرًا ومُنشأً، الحديث.

 

تنبيه:

إذا لم يُذكَرْ في الرواية مَن هو هذا الزنديق فيمكن أنْ نفهم مستواه من جواب الإمام (عليه السلام)، لأن الإمام (عليه السلام) دون شكٍّ يراعي حال المخاطب، فهي مسألةٌ عرفيِّةٌ عامَّة، واختيار الجواب بالحلِّ أو النقض أو بما يراه الإمام (عليه السلام) يكون بالبناء على هذه المسألة.

 

قال (عليه السلام): "إني لمَّا نظرتُ ... فأقررتُ به"، وأراد الإمام بيان أن عجز الإنسان وعدم قدرته على التصرُّف في نفسه يُخبِره بوجود الباني له والخالق، وإن تمكَّن الإنسان من بعض التصرفات في حدودٍ معيَّنةٍ فهو يبقى في داخل القانون الذي جعله هذا الخالق وهو الله تعالى.

ولكن هل للإنسان قدرة؟ نعم للإنسان قدرةُ محدودة، وليست له القدرة القاهرية التي اختصَّ بها الخالق، ولذلك نجد قدرته تجري في التقديرات والقوانين الكونيَّة الإلهيَّة ولا يمكنه الخروج منها، فهي محيطةٌ به مُحكمةٌ مطلقًا.

 

قال (عليه السلام): "مع ما أرى ... منشأ". ما الذي نستفيده من هذا الكلام؟

في الحقيقة هو القانون الذي مرَّ بيانه سابقا، فالدَّال على المُقدِّر والمنشئ ليست نفس هذه المظاهر والتجانس بينها، بل الدالُّ هو الأمر الذي جعلها هكذا، فلماذا لم تكن على هيئةٍ أخرى وترتيبٍ آخر؟

مهما فعل الإنسان ولو وصل لطريقةٍ يُحيي بها الموتى فهو لن يخرج من هذا القانون المُحكَم، فهو لا يستطيع -مثلًا- إيجاد علَّةٍ معيَّنةٍ ويمنع من حدوث معلولها، وهذا هو العجز التامُّ في مقابل هذه القوانين التكوينيَّة الإلهيَّة.

 

القاعدة المستفادة من الرواية: أنَّ كلَّ ساكنٍ وكلَّ متحرِّكٍ مُعجِزٌ للإنسان ومُثبِتٌ للخالق.

 

فائدة:

عندما ندرُس أيَّ روايةٍ ينبغي أن نخرجَ منها بأقصى فائدةٍ ممكنة، فمثل هذه الروايات التي ندرُسها الآن هي من أفضل المواعظ والدروس الأخلاقيَّة التي يمكن أنْ نحصُل عليها، فهي دافعةٌ للتواضع أمام قدرة الله، ولمعرفة النفس على حقيقتها من الضعف والعجز أمام خالقها.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مِدادُ أوال من ينابيعِ الخِصال (٢) التوحيدُ أصلُ الأصول

كراهة نيَّة الشر

الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة: المقال العشرون