الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة: المقال الثالث والثلاثون
تقريراتٌ مختصرةٌ
لدرس سماحة السيِّد محمَّد السيِّد علي العلوي (حفظه الله)، في كتاب الفصول
المهمَّة في أصول الأئمَّة، بقلم محمود سهلان العكراوي:
المقال الثالث
والثلاثون:
[٤٧] الرواية السادسة: وروى ابن بابويه في كتاب التوحيد، عن الدقَّاق، عن محمَّد الأسدي، عن البرمكي، عن الحسين بن الحسن، عن أبي سمينة، عن إسماعيل بن أبان، عن سعيد بن جبير، عن جابر الجعفي، عن أبي جعفرٍ (عليه السلام) في حديث: أن رجلًا سأله، ما أول ما خلق الله من خلقه؟ فقال (عليه السلام): إن الله علا ذكره كان ولا شيء غيره وكان عزيزًا ولا عز، لأنه كان قبل عزِّه، وكان خالقًا ولا مخلوق، فأول شيءٍ خلقه من خلقه الشيء الذي جميع الأشياء منه وهو الماء، فقال السائل: فالشيء الذي خلقه، من شيءٍ أو من لا شيء؟ فقال: خلق الشيء لا من شيءٍ كان قبله، ولو خلق الشيء من شيءٍ إذًا لم يكن له انقطاعٌ أبدًا ولم يزل الله إذًا ومعه شيءٌ ولكن كان الله ولا شيء معه.
نورد هاتين
الروايتين من بحار الأنوار:
الأولى: عن
الثمالي، عن أبي جعفرٍ (عليه السلام)، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): إن
الله تبارك وتعالى أحدٌ واحدٌ تفرَّد في وحدانيته، ثم تكلَّم بكلمةٍ فصارت نورا،
ثم خلق من ذلك النور محمدًا (صلى الله عليه وآله) وخلقني وذرِّيتي، ثم تكلَّم
بكلمةٍ فصارت روحا، فأسكنه الله في ذلك النور، وأسكنه في أبداننا، فنحن روح الله
وكلماته، وبنا احتجب عن خلقه، فما زلنا في ظلَّةٍ خضراء حيث لا شمس ولا قمر ولا
ليل ولا نهار ولا عين تطرف، نعبده ونقدِّسه ونسبِّحه قبل أن يخلق الخلق. الخبر. ]بحار الأنوار -
ج١٥- باب بدء خلقه وما جرى له في الميثاق - ح١٠].
الثانية: عن محمَّد
بن الحسن الطوسي (رحمه الله) في كتابه مصباح الأنوار، بإسناده عن أنس عن النبي
(صلى الله عليه وآله)، قال: إن الله خلقني وخلق عليًا وفاطمة والحسن والحسين قبل
أن يخلق آدم (عليه السلام) حين لا سماء مبنية، ولا أرض مدحيَّة، ولا ظلمة ولا نور
ولا شمس ولا قمر ولا جنة ولا نار، فقال العباس: فكيف كان بدء خلقكم يا رسول الله؟
فقال: يا عم، لمَّا
أراد الله أن يخلقنا تكلَّم بكلمةٍ خلق منها نورا، ثم تكلَّم بكلمةٍ أخرى فخلق
منها روحا، ثم مزج النور بالروح، فخلقني وخلق عليًّا وفاطمة والحسن والحسين، فكنا
نسبِّحه حين لا تسبيح، ونقدِّسه حين لا تقديس، فلما أراد الله تعالى أن ينشئ خلقه
فتق نوري فخلق منه العرش فالعرش من نوري، ونوري من نور الله، ونوري أفضل من العرش،
ثم فتق نور أخي عليٍّ فخلق منه الملائكة، فالملائكة من نور علي، ونور عليٍّ من نور
الله، وعلي أفضل من الملائكة، ثم فتق نور ابنتي فخلق منه السماوات والأرض،
فالسماوات والأرض من نور ابنتي فاطمة، ونور ابنتي فاطمة من نور الله، وابنتي فاطمة
أفضل من السماوات والأرض، ثم فتق نور ولدي الحسن فخلق منه الشمس والقمر، فالشمس
والقمر من نور ولدي الحسن، ونور الحسن من نور الله، والحسن أفضل من الشمس والقمر،
ثم فتق نور ولدي الحسين فخلق منه الجنة والحور العين، فالجنة والحور العين من نور
ولدي الحسين، ونور ولدي الحسين من نور الله، وولدي الحسين أفضل من الجنة والحور
العين. الخبر. ]بحار الأنوار - ج١٥ - باب بدء خلقه وما جرى له
في الميثاق - ح١١].
وبإيراد هاتين
الروايتين وغيرهما في الباب -وهي كثيرة- تتضح الصورة أكثر. ولكن كيف نوفِّق بين
هذه الروايات والرواية التي تلوناها في صدر الدرس؟
لو خُلِّينا والنص
الذي نقله الحرُّ العاملي (قدِّس سرُّه) في كتاب الفصول لخرجنا باحتمالين:
الأول: الخلق
المقصود في الرواية هو ما يدخل في قوامه الماء مقابل ما لا يدخل في قوامه.
الثاني: أن كل خلقٍ
يدخل في قوامه الماء.
والاحتمالان
ممكنان في الرواية، لكن الرواية لا تفيد أن كل خلقٍ يدخل في قوامه الماء، فإذا
رجعنا للروايات الأخرى ولاحظنا ما فيها نتنبَّه إلى أمرٍ آخر في هذه الرواية، وهو
أن السؤال هنا عن رجلٍ غير معروفٍ لنا، والمعاني العالية عادةً ما تُلقى إلى رجلٍ
معروفٍ جليلٍ كالأصبغ والمقداد كما هي سيرة أئمتنا (عليهم السلام)، وهنا لم يُذكر
الرجل فقد لا يكون معروفًا لجابر (رضوان الله تعالى عليه)، ولم يُعهد من الأئمة
التصريح بكل شيءٍ لكل أحد، وبالتالي فقوله أن الخلق من الماء ليس سالبًا للعموم في
الأفراد التي قوامها الماء، فلا عموم وخصوص ولا مطلق ومقيَّد إلا عندما ننسب شيئين
لبعضهما، فالشيء قد يكون عامًّا بالنسبة لأفراده، لكنه بنسبته لما هو أعم منه يكون
خاصا. ولذلك قيل ما من عامٍّ وإلا قد خُص.
عندما نلاحظ
السؤال نقول: أن الناس يسألون في حدود إحاطتهم بالأمور وعليه كان الجواب بما يناسب
المقام، وفي الواقع إن كل المخلوقات فيها نسبةٌ من الماء، والماء في قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا
مِنَ المَاءِ كُلَّ شَيءٍ حَيٍّ} ]الأنبياء: ٣٠] يمكن أن نُؤوِّله لمعنًى أعمق بعد مطالعة باقي الروايات، وكذا التين والزيتون
وغيرها من المفردات القرآنية.
فوائد رجالية ودرائية:
في تعبير جابرٍ
(عن رجل): هذا الحديث من حديث مسائل الشامي، ولم نجد للشاميِّ ذكرًا صريحًا في كتب
الرجال، وعبَّروا فقط أنه من علماء الشام، وقد طرح هذه الأسئلة على علماء آخرين
مكررا. أين هي الفائدة الدرائية من هذا؟
يوجد اختلاف في
سند وكلمات الرواية عمَّا ما هو منقولٌ في التوحيد والكافي، فيوجد اقتطاعٌ واضحٌ
من الشيخ الحرِّ العاملي (قدِّس سرُّه)، وقد يسبِّب هذا خللًا في تحمُّل الرواية،
وبالتالي يؤثِّر على فهمنا لها، فمن قواعد تحمُّل الرواية ذكر الحال، لذلك يختلف
قولنا (سُئِل) مثلًا عن قولنا (دخل عليه).
ولمحل هذه
التغييرات نقول دائمًا هذه الكتب ]الفصول المهمة - الوسائل - بحار الأنوار ...[
مراجع وليست مصادر، ولا بد لطالب العلم من الرجوع للمصادر وتخريج الروايات بنفسه،
كي يتخلَّص من الخلل المُحتمل في نقل الرواية في المراجع.
على أي حال،
حديث مسائل الشامي
يُدرَج في باب مواجهة الإمام الباقر (عليه السلام) لخطوط الانحراف، ويبيِّن هذا
حال علماء الشام، وقد كانوا مذمومين، وقد نُسبوا إلى الإلحاد والزندقة، وكانوا
يتلبَّسون بلباس الدين ليثيروا الشبهات في الدين، ولو لم نعرف أن هذا الرجل هو
الشاميُّ لما عرفنا طبيعة أجوبة الإمام (عليه السلام).
س: هل يوجد تعارضٌ
بين قوله (عليه السلام): "خلق الشيء لا من شيء"، وقوله: "لا
يكون الشيء لا من شيء إلا الله"؟
الجواب: أن هذا
التعارض البدوي غير متحقِّقٍ لأن المقامين في الروايتين مختلفان، فهذه الرواية
التي نحن بصددها تتحدَّث في مقام المخلوق والرواية الأخرى في مقام الخالق.
عندما نتحدَّث عن
الله فإننا نتحدَّث عن الوجود، لا عن الخلق ولا الإبداع، أما عند الكلام عن الخلق
فهو مقامٌ آخر، وهو مقام الخلق أو مقام الإبداع، فاللاشيئية هنا وهناك مختلفتان،
فإن إحداهما متعلقةٌ بالوجود والأخرى بالخلق والإبداع.
إشارة:
النسبة بين الخلق
والإيجاد عمومٌ وخصوصٌ مطلق؛ لأن كل خلقٍ إيجادٌ ولا عكس.
تعليقات
إرسال تعليق