من هنا وهناك (٧٢) التفرُّغ للعبادة!
في معترك الحياة اليوم، وبنسقها السريع جدا، يتشوش الإنسان ويصعب عليه تنظيم أولوياته وأوقاته أحيانًا، فيقدَّم ما من شأنه التأخير، ويؤخِّر ما من شأنه التقديم، ويعطي الأولوية للأقل أهمية وغير المهم، ويتجاهل المهم والأهم، فتضيع أوقاته ويضيع هو وسط زحام هذه الدنيا..
يرسل الله رسلَه -بأنواعها- فيستيقظ بعض الغافلين، ولا يحرك بعضَهم شيءٌ مهما جرى، ولا يخفى أن المصائب والبلايا منها، والمرض منها، وموت الأحباب منها، وانتشار الأمراض والأوبئة منها، والسجن منها، وما إلى ذلك.
في ظل الوضع الراهن ينبغي للمؤمن عِوضًا عن أن يظل يبكي الحال، والحبس بالدار، أو الحجر الصحي، أو غير ذلك، أن يكون نبيهًا فطنا، ويستثمر ما يمكنه استثماره، وينظر لشعاع النور المنبثق من بين العتمة، فيرجع إلى ربه، نعم.. يفيق من غفلته ويعود إلى ربه..
عن أبي بصيرٍ قال: قلت لأبي عبد الله -عليه السلام-: لأي علةٍ صرف الله العذاب عن قوم يونس وقد أظلَّهم ولم يفعل ذلك بغيرهم من الأمم؟ فقال: لأنه قد كان في علم الله أنه سيصرفه عنهم لتوبتهم وإنما ترك إخبار يونس بذلك لأنه أراد أن يفرِّغه لعبادته في بطن الحوت فيستوجب بذلك ثوابه وكرامته. [علل الشرائع، ج١، باب العلة التي من أجلها صرف الله العذاب عن قوم يونس، ح١].
انظر كيف أراد الله أن يفرِّغ نبيه لعبادته فجعله في مثل هذا الموقف، في بطن الحوت، في وسط الظلمات..
ما زلتَ تشك في الأمر، إذًا اقرأ معي كلمات إمامنا الكاظم -عليه السلام- واسمعها بأذن القلب:
روي أن الإمام الكاظم -عليه السلام- كان يقول وهو في سجنه: "اللهم إنك تعلم أني كنت أسألك أن تفرِّغني لعبادتك، اللهم وقد فعلتَ فلك الحمد". [الإرشاد، ج٢، ص٢٤٠، سبب شهادة الإمام الكاظم].
يريد الإمام أن يتفرغ لعبادة ربه، ويحمد الله تعالى أن فرغه لعبادته، ولكن أين؟ وكيف؟ في قعر السجون، وفي عمق البلاء والمحن..
أوليس الأنبياء والأوصياء -عليهم السلام- قدوتنا؟!
محمود سهلان
٢٥ رجب الأصب ١٤٤١هـ
الموافق ٢٠ مارس ٢٠٢٠م
تعليقات
إرسال تعليق