الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة: المقال الثاني والثمانون
تقريراتٌ مختصرةٌ لدرس سماحة السيِّد محمَّد
السيِّد علي العلوي (حفظه الله)، في كتاب الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة، بقلم
محمود سهلان العكراوي:
المقال الثاني والثمانون:
أبواب الكلِّيات المتعلِّقة بأصول الدين وما
يناسبها - ب٢٩ - أنَّ الله سبحانه لا يُوصَف بحركةٍ ولا انتقال:
[١٦٩] الرواية الأولى: محمَّد بن
يعقوب، عن محمَّد بن أبي عبد الله، عن محمَّد بن إسماعيل البَرْمَكِي، عن عليِّ بن
عباس الجَرَاذيني، عن الحسن بن راشد، عن يعقوب بن جعفرٍ الجعفري، عن أبي إبراهيم
(عليه السلام)، قال: ذُكِرَ عنده قومٌ يزعُمُون أنَّ الله سبحانه ينزِلُ إلى
السماء الدنيا، فقال: إنَّ الله لا ينزِلُ ولا يحتاج إلى أنْ ينزِل، إنَّما مَنْظَرُه
في القُرْبِ والبُعْدِ سواءٌ، لم يَبعدْ منه قريبٌ ولم يَقربْ منه بعيدٌ، ولم يحتجْ
إلى شيءٍ، بل يُحتَاج إليه وهو ذو الطَّولِ لا إله إلا هو العزيز الحكيم. أمَّا
قول الواصفين: إنَّه ينزِلُ تبارك وتعالى، فإنَّما يقول ذلك من يَنسِبه إلى نقصٍ
أو زيادةٍ، وكلُّ مُتحرِّكٍ يحتاج إلى مَن يُحرِّكُه أو يَتَحَرَّك به، فمن ظنَّ
بالله الظنون هَلَكَ، فاحذروا في صفاته من أنْ تقفوا له على حدٍّ تحُدُّونه بنقصٍ
أو زيادةٍ أو تحريكٍ أو تحرُّكٍ أو زوالٍ أو استنزالٍ أو نهوضٍ أو قعودٍ، فإنَّ
الله جلَّ وعزَّ عن صِفةِ الواصفين ونَعتِ الناعتين وتوهُّمِ المتوهِّمين، الحديث.
محور
الكلام في أمرين: أنَّه غير محتاجٍ ليقترب أو يبتعد، وأنَّه لا يحيط به زمانٌ أو
مكانٌ، بل هو المحيط بكلِّ شيء.
تنبيهٌ:
نحن
كبشرٍ نُفكِّر ونتعقل بحسبنا، ومن أعظم المخاطر أنْ نعتمد المقاييس التي نستعملها
في تفكيرنا كأساسٍ في فهم مسألة الخالق، والذي لا يتمكن من تجاوز هذه المنطقة لن
يصل لعقيدةٍ سليمةٍ، قد يحاول هذا الفرد أنْ يضبط نفسه لكنَّه قد يزل في لحظة ضعفٍ
واحدةٍ فتجره أفكار الإلحاد والزندقة.
في
مسألة: أين الله؟ كيف نتصور أنه لا يؤيَّن بأين؟ من أهم مناشئ التوحيد التنزيه،
ولا يمكن التنزيه إلا بالمقابلة، فكي تفهم الإطلاق في الخالق -مثلًا- تقوم بهذه
المقابلة بين الإطلاق والتقييد، وكي تفهم الإطلاق في الخالق تقارن بين هذه الحالة
وما يقابلها تمامًا، فتبدأ بالتنزيه.
روايات
نزوله تعالى ليست مرفوضة، لكنْ لا بدَّ أنْ نفهم معناها بما يوافق التنزيه.
قال
(عليه السلام): "إنَّما مَنْظَرُه في القُرْبِ والبُعْدِ سواءٌ، لم يَبعدْ
منه قريبٌ ولم يَقربْ منه بعيدٌ"، وقد نُقِل عن الحرِّ العامليِّ أنَّه
قال: "منظره" أيْ رحمته، وهو ما ينتظره الإنسان منه تعالى.
الضمائر
في (منظره - منه - منه) تعود على الله تعالى.
هذا
القرب والبعد من ماذا؟ فإنَّنا نثبتهما من جهةٍ وننفيهما من جهةٍ أخرى.
نقول
طويل لمن له قابلية القصر، ونقول يطير لمن له قابلية الهبوط، والبعد والقرب في هذه
العبارة يختلف معنى كلٍّ منهما عن الآخر، فأمَّا الذي يبعد إذا قرب هو الذي يكون
قربه حركيًّا، فله قابلية البعد، وكذا الكلام في البعد، فالذي يقرب إذا بعد هو
الذي يكون بعده حركيًّا؛ أيْ الذي يكون قربه بالخطوات تكون له قابلية البعد، والذي
يكون بعده بالخطوات تكون له قابلية القرب، فإذا نفينا إمكان البعد -بالإمكان
العقلي- عن المتقرب فلازمه إمكان القرب المكاني أيضًا، فالقرب والبعد من الله
تعالى ليس بمعنى القرب والبعد المكاني. فعندما ننفي القرب والبعد المكانيين ننظر
في قرب الأجلاء كسلمان المحمد (رضي الله عنه) فنقول هذا القرب من رحمة الله تعالى،
وشاهده نفي البعد المكاني في الشطر الأول، وكذا في البعد.
تنبيهٌ:
مسألة
معرفة الأشياء بالأضداد مهمةٌ جدًّا للفهم، فإذا صِيغت طريقة التفكير على وفق هذه
المناشئ تكون الكثير من الأمور التي تبدو غامضةً أسهل في الفهم، والسبب هو الرجوع
للمناشئ، فلا بدَّ من خلق مؤالفةٍ بين القواعد والمناشئ الفطرية لدى الإنسان، كي
يعرف أسس تفكيره.
من
هنا نفهم خصوصية بعض الأماكن المقدسة في تحقق القرب الإلهي، فعند زيارة الكعبة
المشرفة -مثلًا- لا يعني أنَّني اقتربت من الله تعالى، لكنَّ هذا المكان بأمرٍ من
الله تعالى صار مهبطًا لرحمة الله تعالى، فحدثت هذه الخصوصية، وهذه الأمور لا يمكن
أنْ نفهمها إلا من النصوص الشريفة.
قال (عليه السلام): "فاحذروا في صفاته من أنْ تقفوا له على حدٍّ تحُدُّونه"، فالإنسان العاقل عادةً يريد أنْ تكون الأشياء واضحةً، أيْ تكون مُعرَّفةً، فيبحث عن الحدود، سواء كانت بالحدِّ التامِّ أو الناقص، أو بالرسم التامِّ أو الناقص، فطريقة الإنسان في التفكير قائمةٌ على تحديد العناوين، لذلك هنا يحذر الإمام (عليه السلام) من تحديد صفاته تعالى، ويدعو لتنزيهه تعالى عن الصفات التي ذكرها، مع الحذر من بلوغ حدِّ التعطيل.
تعليقات
إرسال تعليق