الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة: المقال الثاني.
تقريراتٌ مختصرةٌ لدرس سماحة السيد محمد السيد علي العلوي (حفظه الله)، في كتاب الفصول المهمة، بقلم محمود سهلان العكراوي:
المقال الثاني:
[٤] الرواية الرابعة: وعن الحسين بن محمد، عن معلَّى بن محمد، عن الوشاء، عن حماد بن عثمان، عن السَري بن خالد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: يا عليُّ لا فقرَ أشدُّ من الجهل ولا مالَ أعودُّ من العقل.
قاعدتان من الرواية:
الأولى: أشدُّ الفقر الجهل. أفدناها من الحصر بالاستثناء بعد النفي.
الثانية: أعودُّ المال العقل. أفدناها من الحصر بالاستثناء بعد النفي.
وقد وَرَد كلٌّ من لفظ (الفقر) و (المال) على نحو المجاز في هذه الرواية.
استطراد: وقع الكلام في وجود المجاز في اللغة من عدمه، فقال بعضٌ بعدم وجود المجاز، وقال آخرون بوجوده، ومنشأ هذا البحث هو مبحث الوَضْع. المشهور هو وجود المجاز في اللغة، بل أنه الأكثر في الاستعمال، أما الرأي الأول فيذهب إلى أنَّ الألفاظ وُضِعت لمعانٍ أصليَّةٍ تنطبق على مصاديقها، كلفظ الأسد -مثلًا- فهو موضوعٌ للشجاعة والإقدام، ولكنه ظاهرٌ في هذا الحيوان المفترس الذي أطلقنا عليه اللفظ، وكذلك ينطبق هذا اللفظ على الرجل الشجاع المِقدام، وهكذا، فيكون الاستعمال حقيقيًا لا مجازيًا، بخلاف المشهور الذي يرى استعمال لفظ الأسد في الرجل الشجاع مجازًا لا حقيقةً.
تنبيه: وضع الألفاظ للمعاني راجعٌ لمسألةٍ عامَّةٍ وهي الحاجة لوضع الدوالِّ للمعاني التي نُريد أنْ نعبِّر عنها ونُخطِرَها في ذهن المُخاطَب، ولقدرة الإنسان على النطق واستعمال هذه الألفاظ وتميُّزِه بذلك، جعلها موردًا من موارد وضع الدوال للمعاني التي يريد إيصالها. فالموضوعية بالدرجة الأولى إذًا هي ليست لنفس الألفاظ بل للدالِّ، ثم تأتي موضوعية الألفاظ.
قوله (المال) منصرفٌ للمال الذي نستعمله في البيع والشراء، وبالتالي الفقير هو مَن يفقد هذا المال، وبالقول أنَّ لفظ المال موضوعٌ لما هو مُعدٌّ للبيع والمعاطاة فالمراد هو الدراهم والدنانير، ويقابله الافتقار لهذه الدراهم والدنانير، فيقول المشهور أنَّ الاستعمال هنا مجازيٌّ، أما الرأي الآخر فيراه استعمالًا حقيقيًا.
لماذا عبَّر بـ (أعود)؟
لأنني عندما أصرف هذا المال فأنا أُريد أنْ يعودَ عليَّ هذا الفعل بالخير. ولكن عندما يكون عندي المال ولكن بالقدر الذي لا أتمكَّن من الاستفادة منه فأعيش حالةً من الشدَّة، فالفقر أحيانًا يكون بعدم وجود المال، ومرَّةً أخرى بعدم كفاية ما في اليد لسدِّ الحاجة، والشدَّة مقولةٌ للكيف حيث أشعر بالضيق عندما أتعرَّض لمثل هذه الحالة، وهذه الشدَّة قد ترتفع بتحصيل المال، أو أنْ تخفَّ حتى بأمرٍ آخر، لكنَّ الجهل لا ينفع معه شيءٌ في رفع الشدَّة ما دمت جاهلًا، فلا يرفع هذه الشدَّة إلا الخروج من الجهل، وإذا كنتُ عاقلًا فأنا في حالة الزيادة دائمًا، لأنني أسأل وأُفكِّر ولا أكتفي بالمشاهدة، وهذا يؤدي إلى رفع جوانب الجهل وسدها بالعلم.
تعليقات
إرسال تعليق