بريدي الإلكتروني (١١) ليستْ دائمًا سيئة!



بسم الله الرحمن الرحيم
تحية طيبة، وبعد..

توفيت والدتي بعد أنْ جاءت بي لهذه الدنيا بأسبوعٍ واحدٍ فقط..
نعم.. تعبتْ كثيرًا أثناء حملها، وما إنْ وضعتني حتى دخلت في غيبوبةٍ مباشرة، ما أدى لوفاتها كما صدَّرتُ حديثي..

على إثر ذلك قرَّر والدي أنْ يتزوج بعد فترةٍ وجيزة، حيث ما زال في ريعان شبابه، وما زلت وأخواي في سنِّ الطفولة، فكانت زوجة أبي -إيمان- ضيفةً جديدةً في حياتنا، رغم أني شخصيًا لم أكن أعي شيئًا حينها.

كبرت في بادئ الأمر معتقدةً أنها أمي، حيث لم أرَ سواها يرعاني ويهتم بي آنذاك، وكانت شديدة اللطف معي، ومع أخواي كذلك، إلا أنَّ نوعًا من الخصوصية في التعامل قد تلقيته منها -حسب ما أخبروني- في صغري، وكان ذاك شيئًا في غاية الأهمية لبنتٍ لم تعش مع أمها قط..

وقيل أنَّ والدي كان لا يحبني كما كان يحب أخواي، ولا يلاطفني كما كان يلاطفهما، ولا يهتم بي كما كان يهتم بهما، حيث كان يعتبرني السبب في رحيل أمي من هذه الحياة للنشأة الأخرى..

كبرت على هذه الحال، وظلَّ والدي يكرهني كما عرفت، فما قيل عن تعامله معي لم يكن افتراءً أبدا، بل كان ما نُقِل تخفيفًا للواقع، فوجدته يمقتني فعلا، حيث كنت السبب في وفاة زوجته كما يرى، ولأنني بنتٌ وكان يتمناني ولدا..

أما أمي -التي ربتني- فكانت تحبني بشكلٍ لا يصدق، وكأنني ابنتها الحقيقية وأكثر، فقد كانت لطيفةً جدًّا معنا جميعا، وكانت تقدِّمني حتى على أبناء بطنها عندما رزقها الله بنتًا وولدا، وكانت المحبة بيننا تكبر، وحبها لي في ازديادٍ وتنامٍ دائم، حتى لاحظ الجميع ذلك، لشدة وضوحه.

عندما شارفتُ على بلوغ العشرين من عمري سألتها عن سبب هذا الحب والاهتمام، فأجابتني: (أنت يا نجلاء بنتٌ جميلةٌ ولطيفةٌ جدا، ولأنك فقدت أمك وكنت يتيمةً منذ ولادتك، تأثَّرتُ كثيرًا لحالك وتحركت عاطفتي تجاهك، كما أنك فقدت أباك في تلك الفترة كذلك للأسباب التي تعرفينها، فهو وإنْ كان موجودًا ويؤدي بعض أدواره معك، إلا أنه قصَّر معكِ بشكلٍ كبير، مع ذلك فهو طيبٌ ولطيفُ وبدأ يعي أخطاءه شيئًا فشيئا، وانطلقت من هنا معك وتمهَّد الطريق لعلاقة حبٍّ ومودةٍ متبادلةٍ بيننا)..

تغيَّر حال أبي معي للأحسن عندما أنهيت عقدي الأول من العمر، واستمر في تحسنه حتى عاد لي أبًا حقيقيا..

كانت أمي ترعانا جميعًا بشكلٍ لا يوصف، فقد كانت أشبه بالملاك في هيئة إنسان، تعالج هذا، وتداري ذاك، وتجهز لنا كلَّ شيء، ولا تقصر معنا في شيء، وتخصص لنا وقتًا كبيرًا من يومها.

ذات يوم تعرَّض والدي لوعكةٍ صحيةٍ شديدة، ظلَّ على إثرها على الفراش الأبيض لمدة أسبوعٍ كامل، ولكم أنْ تتصورا أنها قضتْ مع والدي كلَّ الوقت بالمستشفى، لا تخرج منه إلا للضرورة، وأما المنزل فتكفَّلت به أنا، ألم أكن البنت التي تربَّت على يديها؟!

امرأة لا توفي حقها كلماتي، فكانت الفرد الذي أوصلني لما أنا عليه من سعادةٍ واستقرار، كما كانت المرأة التي جعلت منزلنا مستقرًا آمنًا سعيدًا ينعم أهله بعلاقاتٍ دافئة، ولا زلت لا أدري كيف أجازيها على أفضالها.

أختي من بطنها حملتْ اسم والدتي -فاطمة- باختيارها هي، وابنتي أسميتها إيمان حبًّا للوالدة التي ربتني، فكان شيئًا بسيطًا أَشبه بالشكر لها..

زوجة الأب ليستْ دائمًا سيئة، قد تكون ملاكًا اسمها (إيمان)..

أم إيمان


ملاحظة: نُشِرت هذه المقالة سابقًا على مدونة ارتقاء.

محمود سهلان
٢٦ فبراير ٢٠١٧م

تعليقات

  1. هذه المرأة المجاهدة تعد من الدرر والصدف النادرة والجواهر اليتيمة على مر العصور وتقادم الدهور وخصوصا في عالمنا المعاصر.

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مِدادُ أوال من ينابيعِ الخِصال (٢) التوحيدُ أصلُ الأصول

كراهة نيَّة الشر

الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة: المقال العشرون