ظاهرةُ تحديد النسل.. وأمر الرسول (ص) بالتكاثر



نشأتْ في العقود المتأخرة ثقافةٌ جديدةٌ بين الكثير من الشعوب، وهي ثقافة تحديد النسل، ومع التوجيه الثقافي المستمر في ظلِّ ما يسمى بالعولمة انتشرت هذه الثقافة أكثر فأكثر، فاقتحمت مجتمعاتٍ جديدةً، ومن ضمن تلك المجتمعات التي اقتحمتها تلك الثقافة مجموعةٌ من المجتمعات الإسلامية، لا سيما مع ترويجها من قِبل جهاتٍ كثيرةٍ مؤثرةٍ، وتدعيمها بأمورٍ أخرى، تنافي في عمقها وبشكلٍ واضحٍ أسس العقيدة الإسلامية.

من الأسباب المهمة في ذلك الانعطافات الحادة جدًّا في النظر إلى دور المرأة، والمحاولات القوية لإقناعها أن دورها خارج المنزل لا داخله، فهي كالرجل، وعدم خروجها يعني أنها مظلومة، وأن هناك نوعٌ من التمييز يمارس ضدها! وفي ظل هذا الضخ الشديد لما يساند ذلك، ارتفعت نسبة النساء العاملات في أغلب المجتمعات بشكلٍ مفرط، ونحن إذ لا نوصي بفرض قيودٍ وحدودٍ إجباريةٍ في هذا المقام، ولم نَشرع في المقال لتناول هذه المسألة، لكننا ندعوا للمراجعة في هذا الخصوص. على أيِّ حال، تسبب خروج المرأة للعمل بتزايد وظائفها، وصعوبة تغطية كل ما هو مطلوبٌ من طرفها، ولا يخفى أثر ذلك الكبير على حال المنزل، وبالتالي جاءت الحلول المتعددة لمواجهة مشكلةٍ لم تكن لولا ما أريد لها أن تكون، ومن تلك الحلول كان تحديد النسل، فلم تعد المرأة تملك الوقت الكافي، ولا الطاقة الكافية لكل هذه المهام..

هذا أحد العوامل ليس إلا، وليس هو محل الكلام..

أحد أهم العوامل الخوف من الإقتار والفقر، فيتردد الزوجان في الإنجاب خوفًا على رزقهم ورزق عيالهم، وهنا تكمن المشكلة العقدية التي ندَّعيها، فإنا وإن كنا نتفهم المسألة، لكنها في باطنها تحمل هذه المشكلة، فبينما نخاف على أرزاقنا، ونخاف من الفقر، تأتي آيات القرآن الكريم، والروايات الشريفة كذلك، وتُطمئِن المؤمن في هذا الخصوص. قال تعالى: (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ مِّنْ إمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ)[الأنعام/ ١٥١] وقال عزَّ وجل: (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا)[الإسراء/ ٣١]، فيما تؤكِّد الكثير من الروايات أن الرزق قد ضمنه الله تعالى لعباده، بل إن الرزق يزيد بالتزويج وقدوم الولد وبحلول الضيف وغير ذلك من الأمور التي ظاهرها صرف الأموال، فهل نستطيع أن ندعي أن الشارع يخدعنا بوعوده؟!

بكل بساطةٍ سيجيبونك: صحيحٌ ما تقول، ولكن!!

عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: (أيُّها الناس اعلموا أن كمال الدين طلبُ العلم والعملُ به، ألا وإن طلبَ العلم أوجبُ عليكم من طلب المال، إن المال مقسومٌ مضمونٌ لكم، قد قسمه عادلٌ بينكم، وضَمنه وسَيَفي لكم، والعلم مخزونٌ عند أهله، وقد أُمِرتم بطلبه من أهله فاطلبوه)[أصول الكافي، ج١، كتاب فضل العلم].

طلب رجلٌ الموعظةَ من الإمام الصادق (عليه السلام) فقال: (إن كان اللهُ تبارك وتعالى قد تكفّّلَ بالرزق، فاهتمامك لماذا؟ وإن كان الرزق مقسومًا، فالحرص لماذا؟ وإن كان الحساب حقًّا، فالجمع لماذا؟ وإن كان الثواب من الله، فالكسل لماذا؟ وإن كان الخلف من الله عزَّ وجلَّ حقًّا، فالبخل لماذا؟ ...)[أمالي الصدوق، ص٥٦].

أظن أنَّ المسألةّ العقديَّةّ المقصودة قد اتضحت.

من العوامل أيضًا الخوف من تحمل المسؤولية وصعوبات التربية، وهو سببٌ يستحق الاهتمام فعلا، ولكنه لا ينبغي أن يكون مانعا، فلو كان هذا السبب لهان الخطب، وقلنا أننا كبشرٍ ينبغي لنا السعي في أن نتكامل، ونتمكن من تحمل المسؤوليات، وإدارة حياتنا كما ينبغي، فعندما نُواجه هذه المشكلة فالحل يكمن في تحسين أنفسنا، والسعي الجاد في بلوغ المراحل التي تُمكِّننا من تحمل المسؤوليات العظيمة كالتربية، فيرتفع هذا العائق الذي نفترضه، فقد لا يصرح به كثيرٌ ممن اتبع سياسة تحديد النسل، لكنه واقعٌ لا مفرَّ منه.

كمسلمين نحن على خلاف ما أراده لنا الشارع المقدس، فقد جاء على لسان رسول الله (صلى الله عليه وآله) في هذا المقام قوله: (تناكحوا تناسلوا، أُباهي بكم الأممَ يوم القيامة)[وسائل الشيعة، أبواب مقدمات النكاح، ب١، ح١٧]، وقال: (وَلَمَولُودٌ في أمتي أحبُّ إليَّ مما طلعت عليه الشمس)[وسائل الشيعة، أبواب مقدمات النكاح، ب١، ح١٨]، وقال: (أيُّها الناس، تزوجوا فإني مُكاثرٌ بكم الأمم يوم القيامة)[وسائل الشيعة، أبواب مقدمات النكاح، ب١، ح١٠]، وغيرها من الروايات التي تُفيد المعنى ولو تلويحًا.

هذا ما يريده رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويدعونا له، وضَمن لنا الرزق، فلا ينبغي أن تعصف بنا أيُّ ثقافةٍ جديدةٍ فنستقبلها مسرعين، وهنا أقول بوضوح أننا عند العمل بما يسمى بتحديد النسل نكون على خلاف ما أراده الشارع المقدس، ناهيك عن كون التكاثر يزيد في الأمة، وله آثارٌ إيجابيةٌ أخرى لسنا بصددها، ويُثقل الأرض بكلمةِ لا إله إلا الله، وما إلى ذلك من فوائدَ مجتمعيةٍ تترتب على ذلك.

ليس من الصحيح الركون إلى تبريراتٍ خاويةٍ في قبال إرادة الشارع، بل المطلوب -كما قلنا- السعي في رفع تلك الأسباب وتحصيل ما يريده الشارع..

محمود سهلان
٣٠ شعبان ١٤٤١هـ
٢٤ أبريل ٢٠٢٠م 

تعليقات

  1. أحسنت شيخنا العزيز مقال في غاية الاهمية

    ردحذف
  2. أحسنت خال وما أحوجنا إلى توعية العقل الجمعي من أفكار دخيلة أصبحت قناعات وفقكم الله

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مِدادُ أوال من ينابيعِ الخِصال (٢) التوحيدُ أصلُ الأصول

كراهة نيَّة الشر

الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة: المقال العشرون