بريدي الإلكتروني (١) إننا لا نتحدث معا!


منذ أكثر من شهرٍ وصلتني رسالةٌ من الأخت ساجدة بعنوان (إننا لا نتحدَّث معًا)، تشتكي فيها معاناتها مع زوجها الحاضر الغائب، وربما كان الغائب الحاضر، ودون أيِّ مقدماتٍ طويلةٍ أترككم مع رسالة ساجدة..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله الرحمن الرحيم..

 

قبل ما يقارب السبع سنوات عُقِد قراني مع زوجي ميثم، وكحال أغلب الزيجات فإن فترة الخطوبة كانت مليئةً بالحب والسعادة والحيوية بيننا، فكان زوجي حينها يحاول إسعادي بكلِّ ما يستطيع، واستمرَّ على ما هو عليه بعد إشهار زواجنا لفترة جيدة، حتى بدأ حلم السعادة بالرحيل، وبوادر الاستيقاظ أعلنت عن نفسها شيئًا فشيئا، حتى رزقنا الله ببنتٍ جميلةٍ أسميناها وفاء، حاول رعايتي أثناء حملي وبعد ولادتي، ولم يقصر معي في الحقيقة في تلك الفترة، لكنه سرعان ما فَتَر عن تلك الرعاية والاهتمام مجددا، خصوصًا أنه بدأ لا يهتم لمعاناتي مع وفاء حتى، مع علمه بحالتي الصعبة بعد الولادة، والتي طال أمدها وامتدَّ تأثيرها، وأنا مع ذلك كنت صابرة، أقوم بأدواري بالمنزل، وأرعى وفاء، وأجهِّز له كلَّ حاجياته كذلك، وفوق كلِّ ذلك كنت أتجمَّل وأتهيَّأ له، لكن ذلك لم يزده من الاهتمام بي إلا بعدا..

بالمناسبة فإن زوجي رجلٌ مؤمن، وهو منشدٌ إسلامي، وله يدٌ في الأعمال التطوعية والخيرية، إذ المشكلة ليست في إيمانه وتقواه، ولا حتى في أخلاقه، إلا أنني تعبت من عدم اكتراثه بي، حتى أبسط طلباتي صارت ثقيلةً عليه، وليتني أعرف ما كان جرمي الذي اقترفته في حقه..

فكرت مليًّا لكنني لم أجد أمرًا يستدعي هذا الجفاء، فأنا أيضًا ملتزمةٌ بالحجاب الشرعي وبأوامر الشريعة الغرَّاء، بل إنني أتحمل غيرته المبالغ فيها أحيانًا دون أي اعتراض، ولم أعارضه في أعماله وانشغالاته المتعددة يوما، ربما عاتبته أحيانا.. ألست محقةً في ذلك؟! يبدو أنني محقَّةٌ يا أخي، فكيف أصبر على غيابه لأيامٍ وليالٍ عني؟! بالله عليكم، أصدقوني القول، أوليس من حقي أن يجلس معي ويحدثني؟!

مرت الأيام بل الأسابيع والشهور، ونحن على نفس المنوال، زوجي منشغل بالعمل، ثم بأعماله الإنشادية والتطوعية، أما أنا فحبيسةٌ بين الجدران مع ابنتي وفاء، وربما خرجت لزيارة جارتي أو للمأتم فقط، وما بين حينٍ وآخر نزور الأهل معا، حتى حملت بمولودي الثاني قاسم، وعاد الاهتمام طفيفا، لكنه لم يكن كحملي الأول، وحتى الولادة والأيام الأولى بعدها لم تجعله يقترب مني كما كان يفعل..!!

ظل كلٌّ من وفاء وقاسم يكبران في ظل رعايتي، بسبب الغيابات المتواصلة من قبل ميثم، خصوصًا في المواسم المعروفة بكثرة الفعاليات، لكنه مع ذلك -كي لا أظلمه- عندما يعود من أعماله يُظهر حبَّه لهما، ويلعب معهما، ويمازحهما، ولا يقصر عليهما في مأكلٍ أو ملبس، ولكن أين أنا من ذلك؟! بكل تأكيد لا أغار لملاعبته لابنيَّ وقرَّتي عيني وسرور فؤادي، لكنني أتساءل فقط.. لماذا لا أسمع منه كلمةً جميلةً بعد كل هذا الغياب؟ بعد كل شوقي إليه وترقبي لعودته، لا شيء جديد..

قبل أكثر من شهر قمت بأداء فريضة الحج، وقد أثرت فيَّ مناسك الحج كثيرا، وتركتْ في نفسي راحةً كبيرةً جدا، وكأني قد عُدت إلى نفسي التي أفتقدها، وكأن الروح قد بُثَّت فيَّ من جديد، إلا أن ذِكر زوجي الحبيب وطيفه لم يغب عني حتى في سفر الطاعة ذاك، وكنت أتأمل كلَّ الخير فيما بعد السفر، حيث كنت أحدِّث نفسي قائلةً لها: إن أبا وفاء سيشتاق إليك بعد هذا الغياب الطويل، خصوصًا وأنك في طاعةٍ يحبها، ولا بد أن يكون لذلك وَقعه.. عدت لأرض الوطن والفرح يملأ قلبي، معتقدةً أن حبيبي ميثم سيكون مشتاقًا لي بشدةٍ بعد طول الغياب، لكن شيئًا من ذلك لم يحدث، بل أنه اكتفى بأخذ ما يريد الرجل من زوجته، ثم لا شيء.. نعم، لا شيء.. ناهيك عن أنني عدت وأنا مريضة، وبقيت على سريري دون اهتمامٍ من أحد..

لقد تعبت كثيرًا من هذه المعاملة، وبدأت أبغض حياتي، فلم أعد أحس بأن لي قيمةً بقلب من أحببت، ومن بذلت ما بوسعي من أجله، أنا متعبةٌ جدًّا حدَّ الانهيار، لا أدري ماذا أفعل..

قد يقول قائل: حدِّثيه بشعورك هذا، وبمعاناتك من غيابه، بوحي له بمكنون صدرك، وازفري ما بقلبك من هموم..

فأقول: ومن قال أنني لم أفعل، ولم أحاول، لكنه لا يريد أن يستمع إلي!! ولا يتجاوب معي أبدا، إنه يستمع لكل شيء، ويفتح قلبه للجميع، لكن حينما يأتي الدور علي، فإنه يُغلق أذنيه، وإن عَبَرت بعض الكلمات إلى عقله، فدون أدنى شكٍّ فإن قلبه لا يستقبلها أبدا..

تعبت كثيرا، وصرت في حاجةٍ لمن أنفث همومي لديه، لا لشيء، ولا ليجد الحل، لكنني أحتاج لشخصٍ يسمعني، يحس بي، يشعر بمعاناتي، وهذا ما دعاني لمراسلتك أخي (مصلح اجتماعي)..


أم وفاء


* ملاحظة: نُشِر هذا المقال على مدونة ارتقاء سابقا.


محمود سهلان

١٣ نوفمبر ٢٠١٦م

 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مِدادُ أوال من ينابيعِ الخِصال (٢) التوحيدُ أصلُ الأصول

كراهة نيَّة الشر

الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة: المقال العشرون