الدفاع عن الشذوذ، والتقييدُ الشيطاني بالحرية



تعمل القوى الشيطانية دون هوادةٍ في سبيل تحصيل ما تريد، وتستثمر كل ما تملك من قوة، وتعمل على مستوياتٍ مختلفةٍ بأدواتٍ متنوعة، بل إنها تدخل على طريق الخير والاستقامة وتنطلق من خلال ذلك، فالمخطط الإبليسي الشيطاني مستمرٌ منذ تكبَّر إبليس وتوَعَّد بني آدم، وذلك نعلمه من قوله تعالى في سورة الأعراف: (قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ * قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ)[الأعراف/١٤-١٦]، فلا حاجة للكلام في وجود مؤامرةٍ ضد البشرية –ولا أقول ضد الإسلام والمسلمين فقط- من عدم وجودها، فالأمر من الوضوح بما لا مجال فيه للشك.

من الظواهر التي بدأت تنتشر بشكلٍ واضحٍ في السنوات الأخيرة ظاهرة الدفاع عن الشذوذ الجنسي، والعياذ بالله، حتى وصل الأمر بنا أن بعض المجموعات على مواقع التواصل الإلكتروني في بلدٍ ملتزمٍ كالبحرين تناقش هذا الأمر، بل ويُبدي البعض تأييده لإفساح المجال لمثل هذا بحجة الحرية وحقوق الإنسان! وليت أمثال هؤلاء يعلمون أنهم مُقادون ومقيَّدون وليسوا ممن استفاد من إطلاق الحريات كما يظنون.. فالمسألة أكبر بكثيرٍ مما نَظَرَ له أمثالهم..

على أي حالٍ فإن تداول هذه المواضيع بالطريقة التي تداولتها تلك المجموعات يدق ناقوس خطرٍ ينبغي أن ننتبه له ونأخذه بالاعتبار..

في الواقع هناك عملٌ عالميٌ كبيرٌ واسعٌ جدًّا منذ سنواتٍ لعولمة هذا الشذوذ، وجعله أمرًا عاديًا طبيعيا، وقد وقفتُ على بعض مناشئه ومظاهره، ومن المظاهر والأعمال التي وجدتها ما يلي:

الأول: إقامة احتفالٍ سنويٍّ في الولايات المتحدة الأمريكية للدفاع عن حقوق المثليين والشاذين جنسيًا منذ مدةٍ تتجاوز الثلاثة عقود، وقد شارك في آخر هذه المهرجانات حوالي أربعة ملايين إنسان.

الثاني: تأسيس مؤسساتٍ عالميةٍ خاصةٍ للدفاع عن هؤلاء واتخاذ شعاراتٍ خاصةٍ وألوانٍ خاصةٍ مميزةٍ (ألوان قوس قزح) للمؤسسة الرئيسية.

الثالث: تخصيص اتحاد كرة القدم الإنجليزي فترةً من موسم كرة القدم الماضي للتضامن مع هؤلاء من خلال ارتداء قائد كل فريقٍ لشارة قيادةٍ تحمل ألوان هذه الجهات وكذلك خيوط الأحذية وأرقام اللاعبين، وكل من استطاع فعل شيءٍ حاول أن يبدع في ذلك!

الرابع: ارتداء قائد المنتخب الإيرلندي لشارة قيادةٍ بذات الألوان، ولذات الأسباب في الأمر الثالث، وكذلك بقية اللاعبين.

الخامس: إظهار المسألة وإثارتها في أحد المهرجانات والتجمعات الكبيرة في ألمانيا بدعمٍ من أحد الأندية الكبيرة هناك.

السادس: الحملات الإعلامية والتسويقية الواسعة بين الفينة والأخرى.

هذا بعض ما وقفت عليه، وهناك متفرقاتٌ أخرى بعضها ليس أكثر من أثرٍ لما سبق ذكره..

أما المناشئ فلا أستطيع حصرها فيما أُشير إليه الآن، إلا أن مفاهيم الحرية وحقوق الإنسان والحرب ضد العنصرية تُعد من أهم مناشئ هذه الظاهرة بحسب تحليلي للمسألة، ولكل هذه وجوه، منها أن المدافعين عن هؤلاء يقولون أنهم اتخذوا هذا الخيار وهم أحرارٌ في ذلك، ونحن ندافع عن حرياتهم ولنا الحق والحرية في هذا الدفاع! أما من جهة حقوق الإنسان فإن هذا الفرد له حقه في أن يتخذ الخيارات التي يراها تناسبه، وما تسمونه بالشذوذ هو واحدٌ من الخيارات المتاحة له، فنحن لا نقول أن له الحق فقط بل وندافع عنه أيضا، فإن من يقف في وجه هؤلاء ويزدريهم هو عنصريٌ ضد هذه الفئة، ونحن ضد هذه العنصرية. هكذا بكل بساطةٍ يرونها، وقد صرَّح بذلك بعض الأشخاص..

التنشئة الثقافية الشيطانية طويلة المدى، والمطامع المالية والطمع في السيطرة على الناس، بل على الكون كله، قادتِ البشرية لما نجده اليوم، والظاهرة التي تحدثتُ عنها ليست إلا واحدةً من بنات تلك الأعمال، فمفهوم الحرية الفردية المطلقة الذي أسسوا له، وعملوا على عولمته، لا يمكن أن يصمد على المستوى العلمي، فبكل بساطةٍ حدودي تنتهي عند حدود حرية غيري، ولا داعي للتفصيل في ذلك هنا، إلا أنهم نجحوا في نشرها وبثها عائمةً دون تعريفٍ واضح، وأدواتهم كثيرةٌ جدا، فالشيطان لا يتوقف في مد هذا الطريق بكل ما يملك من قوة، ويكفينا الإشارة إلى أن انطلاقهم لِبث الثقافات اليوم يبدأ من المسلسلات الكارتونية التي تُعرض للأطفال، فالأجيال بذلك تنشأ كما يريدون، مما يصعب عملية مواجهة أعمالهم الشيطانية.

ومما ساهم في تعقيد المسألة في خصوص مجتمعاتنا المؤمنة، أن هناك ضخًّا صبَّ في اتجاه الحرية الفردية، وفتح المجال للحوار والنقاش في كل شيء، بدأه ودعمه بعض الكبار من أهل الدين وغيرهم، وما يبدو لي أنهم كانوا في غفلةٍ عن النتائج التي نجدها اليوم، وإن كان البعض من غير أهل الدين قد لا يُغيظه ما وصل إليه الحال..

من الملفت للنظر كذلك أن هذه الفئة تمكنت من فرض نفسها بحيث إنها استطاعت أن تجعل الآخرين يتصدون للدفاع عنها، وإظهارها كفئةٍ مظلومة، قد كبت الناس أنفاسها، على الرغم من قلَّتها بالنسبة للفئات الأخرى.

في الختام أقول أن الحملات التي تهدف لعولمة هذه القضية صارت في أشدها، وهي تعمل دون توقفٍ بشكلٍ مستمر، وأن الذي يظن نفسه حرًّا في دفاعه عن هذه الفئة ودعمها ليس إلا حبيسًا للمصطلحات التي جعلها وكيَّفها الشيطان كما يريد، فهو حبيسٌ للشيطان وغافلٌ دون أدنى شكٍّ عندي.

ليست المواجهة المباشرة حلًّا صحيحًا دائما، لكنها قد تكون خيارًا مناسبًا ومثمرًا أحيانا.(*)



* مقال الأستاذة إيمان الحبيشي/ سنمارس حقنا في الرفض
https://emanalhubaishi.blogspot.com/2019/08/blog-post.html?m=1

محمود سهلان
٣ ذو الحجة ١٤٤٠هـ
٥ أغسطس ٢٠١٩م

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مِدادُ أوال من ينابيعِ الخِصال (٢) التوحيدُ أصلُ الأصول

كراهة نيَّة الشر

الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة: المقال العشرون