من هنا وهناك (٤٢) تعويمُ المفاهيم

من هنا وهناك (٤٢) تعويمُ المفاهيم


من المشاكل المعقّّدة جدًّا التي نواجهها اليوم كبشر، هو ما تقوم به القوى الكبرى العالمية وما تسمى بالإدارة العالمية من تعويمٍ للمفاهيم، حيث نجد أنها تمكَّنت من إطلاق العديد من المفاهيم التي لا يمكن حدُّها والاتفاق على ما تحمله من معنى.

هذا الأسلوب بكل بساطةٍ يجعل الناس ينطلقون في أفكارهم بتشوهاتٍ سيئةٍ جدا، حيث إنهم يحملون المفاهيم العائمة التي لا يملكون لها صورًا واضحةً في أذهانهم ويتحركون من خلالها، فيدافعون عنها ويحملونها كشعارات، ويحاورون ويناقشون ويجادلون من خلالها، بينما لا هم يتصورونها بالشكل الصحيح ولا الأطراف الأخرى، بما أن كل طرفٍ يتصور ذات المفهوم بصورٍ متخالفة.

في الواقع لو تروَّى هؤلاء ونظروا لما في أذهانهم وعالجوه لكان أفضل لهم، وأفضل لغيرهم كذلك بما أن التشوَّش الحاصلَ منهم سيؤُول للضعف والزوال، والدفاع المفرط عن هذه المفاهيم سيضعف كذلك، بل وبناؤهم عليه سيُصحَّح أو يتوقف.

من أشهر المفاهيم العائمة الفضفاضة مفهوم الحرية، والذي أُطلق وعُوِّم وجَعل الناس يتمسكون به ويتغنون به، لكنهم في الواقع متفاوتون في تصورهم إليه، ومتخالفون فيه ومختلفون، لكنك تجدهم جميعًا يتداولونه ويدافعون عنه.

حريٌّ بالمؤمنين ألَّا ينجروا وراء مثل هذه المفاهيم، وأن يفهموا مثل هذه الأمور جيدا، وأن يسعوا للتصدي لها بعقولهم وأفهامهم كي لا تنطلي عليهم وعلى مجتمع المؤمنين، وبالتالي تؤدي لضياعهم وضعف المجتمع وانهياره تحت هذه الضربات الثقافية الشديدة.

محمود سهلان
١٢ جمادى الآخرة ١٤٤٠هـ
١٨ فبراير ٢٠١٩م

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مِدادُ أوال من ينابيعِ الخِصال (٢) التوحيدُ أصلُ الأصول

كراهة نيَّة الشر

الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة: المقال العشرون