من هنا وهناك (٤١) المجهولات وغاية الخَلق

من هنا وهناك (٤١) المجهولات وغاية الخَلق


مجهولات الإنسان أكثر من معلوماته، بل قد نجد أنه كلّما انكشف له مجهولٌ من مجهولاته ازدادت المجهولات، وقد نقسم هذه المجهولات إلى قسمين: قسمٍ يتمكن من الكشف عنه بنفسه مع إضافة العلوم المتراكمة عبر الزمن، وقسمٍ لا يمكن له كشفه إلا عبر واسطةٍ تَصله بالغيب.

قد نواجه مشكلةً مع القسم الثاني، خصوصًا في ظل غيبة الإمام المعصوم -عليه السلام- حيث هو الواسطة التي تصلنا بالغيب، فلو استجدَّت لدينا بعض التساؤلات وبعض المجهولات نبقى في حيرةٍ منها في ظل الانقطاع عنه، ولكنْ مع ذلك نسأل: هل هي مشكلةٌ كبيرة ٌ كما قد يتصور البعض؟ أم أنها مسألةٌ تصدى لها الشارع المقدس من خلال بيان ما يحتاجه الناس إلى يوم القيامة؟

إن قال بعضٌ أنها مشكلةٌ عظيمةٌ حيث إننا نعاني ألم الجهل في بعض أمورنا الدينية والدنيوية، أجبتُ بأننا وُجِدنا بهذه الدنيا من أجل غاياتٍ أرادها الله سبحانه وتعالى، وقد كفانا الشارع ما نحتاجه في مسيرتنا تشريعًا وتكوينًا بما يحقق الغايات الإلهية، وإن قالوا أننا نجهل علل الكثير من الأصول والفروع الشرعية، قلت أننا لسنا مكلَّفين بمعرفة العلل فهي ليست من شأن الإنسان، وما تكون فيه مصلحةٌ ما لا بدَّ وأن يكشفه الله تعالى للعباد.

عظمةُ المشكلة وتعقيدها ينتفيان عن طريق الإيمان بالله وبالنبوة والإمامة والمعاد والعدل، والإيمان بالغيب، فعندما يبني الإنسان شخصيته على أساس هذه الثوابت تصيرُ الأمور واضحةً عنده، ويكاد لا يستوحش من أيّ أمرٍ من الغيبيات التي يجهلها، لا سيّما وهو يعلم أنه لو كان يحتاجها لكشفها له الله تعالى كي لا يكون خفاؤها ناقضًا لغَرضِ ربِّ العباد جلّ وعلا.

المشكلة إذًا إما هي بسبب عدم أو ضعف الإيمان بالله تعالى، وإما لغياب الغايات التي خُلقنا من أجلها عن الأذهان، والتشاغل بما هو ليس من شؤوننا كبشرٍ عمَّا هو مطلوبٌ منا..

محمود سهلان
٧ جمادى الآخرة ١٤٤٠هـ
١٣ فبراير ٢٠١٩م

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مِدادُ أوال من ينابيعِ الخِصال (٢) التوحيدُ أصلُ الأصول

كراهة نيَّة الشر

الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة: المقال العشرون