مراجعة على كتاب تحرير المسائل
عنوان الكتاب: تحرير المسائل (رسالة في مبادئ دراية الحديث).
الحقل العلمي: دراية الحديث.
المؤلف: السيد محمد بن السيد علي العلوي.
عدد الصفحات: ٥٢ صفحة.
الناشر: مداد للثقافة والإعلام.
الكتاب عبارةٌ عن رسالةٍ في مبادئ علم دراية الحديث، جعلها المؤلف في مقدمتين عامةٍ وخاصة، ثم سبع مسائل، وخاتمة.
مقدمتان عامة خاصة:
تحدَّث المؤلف في المقدمتين عن بعض الأمور الفنية الممهدة للمسائل المطروحة، فكانت المقدمة العامة عامةً لأنها تصلح مقدمةً لأي موضوعٍ نريد بحثه، وليست هي خاصةٌ فقط بمسائل علم الدراية، وطرق فيها المؤلف باب مسألةٍ عامةٍ أخرى وهي مسألة التمسك بالثقلين الشريفين. أما المقدمة الخاصة فلأنها ترتبط مباشرةً بالمسائل المبحوثة، وبيَّن فيها أن البحث السندي إنما جاء لخطورة استنباط الحكم الشرعي، فكان إدخاله بشكلٍ ضروريٍ من بعض الفقهاء مراعاةً لهذا الأمر، لا أننا نردُّ ونرفض الروايات -مباشرة- في غير هذا المقام بالرجوع للبحث السندي وحده، كما أشار لضرورة مراعاة البعد عن التداخل بين علمي الدراية وأصول الحديث لما لذلك من آثارٍ على سير البحث بيَّنَ المؤلف بعضها، وهي التفاتةٌ مهمةٌ من المؤلف. أما دواعي بحث هذه المسائل دارت بين بعض القضايا التخصصية من جهة، وبين ما عليه واقع الحال من رفضٍ وردٍّ للأحاديث من قبل عامة الناس بالرجوع لما لا يمكن اعتماده في ردها كالبناءات الثقافية الفردية وما شابه.
المسألة الأولى: التسلسل في الإسناد:
بيَّن المؤلف المراد من السند ودوره في قبول الرواية عند المتقدمين ثم المتأخرين، فهو قرينةٌ من القرائن عند المتقدمين، لكنه أخذ دورًا أكبر عند المتأخرين بلغ عند بعضهم أنْ جعله حاكمًا في المقام، وأرجع السيد المؤلف جعل السند ركنًا في قبول الرواية لنظرةٍ فلسفيةٍ غير مصرحٍ بها، وحاول توضيحها، ثم تحدَّث عن التسلسل في الإسناد وفق هذه النظرة. بعد ذلك أرجع المسألة إلى سيرة العقلاء في تعاملاتهم الاجتماعية لا إلى الدقة الفلسفية.
المسألة الثانية: خبر غير الثقة:
وهو الضعيف في اصطلاحهم، ويقابله الصحيح والحسن والموثق. وبالرجوع إلى سيرة العقلاء يرى المؤلف أنهم لا يردون خبر غيرِ الثقة من رأس، بل تدخل في المسألة حيثياتٌ أخرى يُنظر إليها، حتى يُقبل أو يُرد. ثم أننا في الأخبار المعصومة نرجع للقرآن الكريم والسنة المقطوعة، وننظر في دلالات الخبر للمقارنة بينها، وتحدث عدة صور، وفي كلها لا نردُّ الخبر مباشرة، بل ينظر فيها العالم الفقيه ثم يحكم بعد ذلك.
أورد المؤلف تنبيهًا مهمًّا في ختام المسألة، وهي أن البحث في دراية الحديث لا يكون في السند فقط، بل لا بد من النظر في الخبر سندًا ومتنًا لمعالجة ما نعانيه من مشاكل في المقام.
المسألة الثالثة: الأحاديث المصرحة بوجود الوضع والدس في روايات أهل البيت عليهم السلام:
أورد المؤلف بعض الروايات التي تؤكد الدس والكذب على أهل البيت -عليهم السلام-، فهو أمرٌ واقع، لكن الكلام يكون في طرق المعالجة، حيث إنها لا بد منها لنتمكن من التمسك بالثقلين المقدسين، وإلا فإننا لا نتمكن من التمسك وتحقيق العصمة من الضلال ما لم يكن كل من الثقلين ثابتًا عندنا، ويذهب السيد المؤلف إلى أن الأئمة والأصحاب في القرون الثلاثة الأولى قد تصدَّوا لهذه المسألة، وقاموا بتنقيح وتنقية الأحاديث مما دُسَّ فيها من أخبار، وفرغوا من ذلك، ويُرجعُ ذلك لدليلٍ لِمِّيٍّ مركبٍ من مقدمتين، أما الأولى فإن من أغراض وجود المعصوم المحافظة على الدين، وهذا منها، وأما الثانية فما بذله الأصحاب من جهدٍ في جمع الأخبار ومنهجيتهم فيها.
المسألة الرابعة: العرض على الكتاب العزيز والسنة المقطوعة:
يعي العقلاء ضرورة اتخاذ معيارٍ ثابتٍ للحكم، وهو ما جاء خطاب المعصوم على وفقه مؤيدًا في مسألة قبول الروايات وردِّها، وذلك باتخاذ القرآن الكريم والسنة المقطوعة معيارا. والمؤلف إذ يتفق مع هذا يرى أن الخطاب بالعرض على القرآن خاصٌ بمن لهم القدرة على ذلك من العلماء وليس هو عامٌّ لكل أحد، بل ذهب إلى أن الإرجاع للقرآن والسنة المقطوعة من موارد الضلال والتيه إذا كان المُرجِع ليس مؤهلًا لذلك.
المسألة الخامسة: الإسناد وترجيح قول الثقة:
جاء عن العترة الطاهرة الأمر بالإسناد، كما أن الأخذ بخبر الثقة أمرٌ عقلائي، إلا أن رد قول غير الثقة لا يسلِّم به المؤلف، خصوصًا وأن إرسال الأكابر من العلماء قد يكون لدواعٍ اقتضت ذلك، بل قد يكون في بعض الموارد علامةً على القوة لا الضعف، وذكر المؤلف في الأثناء بعض احتمالات تحمُّل الرواية من الراوي عن غيره، ثم انتهى إلى أن ترجيح قول الثقة أمرٌ عقلائي، إلا أنه مختصٌ بالتلقي عن واسطةٍ واحدة، ولا يرى موضوعيةً لما زاد عن الواسطة الواحدة في النقل.
المسألة السادسة: اهتمام الآخرين بالأسناد:
يرى المؤلف أن ثمة أمورٍ لا تنسجم مع الحياة الاجتماعية، كقيام الإسناد متصلًا برواةٍ -كلهم- ثقات، والتواتر اللفظي، خصوصًا في الطبقي منه، وهذا لا يُضبط إلا أن تكون المسألة خاضعةً لسلطة مؤسسةٍ لها شأنٌ خاصٌ من حيث القدرة على السيطرة وفرض القانون، فيحتاج الأمر لاصطناع، ولا يخفى دور السلطة في تدوين الحديث منذ دعا الخليفة عمر بن عبد العزيز إلى ذلك. وقد أشار في نهاية المسألة إلى أن التسلسل في الإسناد والتواتر ليس مما تناولته الحضارات والحواضر العلمية، حتى ولد في ظروف خاصةٍ في دوائر خاصة.
المسألة السابعة: القرائن على الصحة والصدور:
يرى المؤلف أن القرائن الحافة بالأخبار لم تُفقد، على خلاف ما يذهب إليه أكابر العلماء المعاصرين، وقد أوردَ بعض ما يراه من القرائن، وهو يُضاف إلى ما ذكره بعض العلماء كالحرِّ العاملي والمحدث النوري والمحقق البحراني في كتبهم، بالإضافة لوعي العلماء لمنهجية قياس الأمور والأحداث الصغيرة على الأمور والأحداث الكبيرة، وهو ما ظهر في بعض كتاباتهم فيما يتعلق بالروايات وأصولها كما فعل الحر العاملي –قدس سره- في الفصول المهمة.
خاتمة: واقع المسائل المحررة في بحوث الفقهاء:
لم يجد السيد المؤلف في تتبعه أن العلماء اتخذوا القوانين الدرائية أداةً لإقصاء الأحاديث، وإنما أجروا قوانين الاستنباط فيها، فإن ردوا حديثًا بها، يزول هذا الرد بعد الفراغ من محل البحث الفقهي، وبالتالي لا يصح من المؤمنين الاستعجال وتحمل مسؤولية الحكم، والأجدر أن يتركوا المسألة للعلماء المختصين.
أقول: رسالةٌ مميزةٌ من المؤلف، تفتح الكثير من الآفاق في هذا العلم، فمن التأكيد على دخول المتن في المسائل الدرائية، إلى استكشاف أو إضافة بعض القرائن الحافة بالأخبار، مرورًا ببينيات السند، وغيرها، يمكن لمن أراد التوسع أن ينطلق في هذه العناوين ليبحثها بعمق، وينتهي لغاياتٍ سامية، ولم يُغفِل المؤلف الواقع الحاصل في المجتمع المؤمن، فراعى قلمُهُ القارئ غيرَ المختص، وقد أجاد بشكلٍ كبيرٍ في مخاطبة المختص وغيره.
تبين مثل هذه الرسائل أن أبواب العلم مفتوحةٌ أمام الجميع، وما على المُريد إلا أن يطرق الباب ويسعى، أما التفرج من بعيدٍ -في غير محله- لا يُنتج شيئا.
محمود أحمد سهلان
حوزة خاتم الأنبياء
المنامة - البحرين
الأول من شهر رجب الأصب ١٤٤١هـ
الموافق ٢٥ فبراير ٢٠٢٠م
تعليقات
إرسال تعليق