من فيوضاتِ شهر الله - ٣
من فيوضاتِ شهر الله - ٣
ممّا تتميّز به فريضة الصيام وكذلك فريضة الحجّ الامتناع عن بعض المباحات، بل عن بعض المستحبات، خلال وقتٍ معلوم، بالإضافة إلى تشديدِ المنع عن ارتكاب بعض المحرّمات عن طريق فرض عقوباتٍ عليها -وهي الكفّارات- إنْ صحّ تسميتها عقوبات.
بهذه الطريقة تتدرّب النفس خلال هذه الفترات على الامتناع عمّا منعها الشارع عنه، بطريقة تتميّز بتشديد ذلك في بعض ما كان ممنوعًا على طول الخط، وبالمنع من فعل بعض الأفعال المباحة والمستحبة كما قلنا، فيما يترتب على الثاني -خصوصًا- نوعٌ من التدريب للنفس عن طريق تركِ ما اعتادت عليه، حيث يصعب غالبًا ترك ما اعتادت عليه النفس من أفعال، وبهذه الطريقة تكون في النفس مرونةٌ أكبر للتخلي عمّا نهى عنه الشارع مدى العمر، جرّاءَ المرونة الحاصلة في التعامل مع أوامر الشارعِ ونواهيه في أيّ وقتٍ أراد.
على سبيل المثال يمتنع المسلمون عن شربِ الماء -والذي هو في أصله مباحٌ- من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، فيحقّق ذلك مرونةً في النفس من خلال تكرار الفعل مدَّة شهر كامل، امتناع في النهار وإباحة في الليل، فتكون أشبه بالحالة التدريبية التي تكون خيرَ معينٍ للفرد على تجنّب المحرّمات طوال أيام السنة، فيمتنع بمعونة ما تحقّق من مرونةٍ عن المحرّمات، ويتوجه لسدِّ حاجاته عن طريق ما سمح به الشارع.
على الطرف الآخر، فإنّ مواجهةَ العقوبة عند عدم الالتزام بأوامر الشرع والامتناع عن نواهيه، تؤكّد في النفس أكثرَ عدّة أمور، من أهمّها مسألة الحساب، فإنّ كلّ عمل ترتكبه أنت محاسبٌ عليه، وما هذه الكفارات إلا شيءٌ مما ستواجهه يوم المعاد، فالجزاء الطيّب على الطاعة، والعقاب على المعصية.
هذه القدرات المكتسبة خلالَ شهرِ رمضان أو أيامِ الحج، تكون خير مساعدٍ ومساندٍ للفرد كما قلنا بعد ذلك، وتتجدّد كذلك في كلّ عام، لتزداد التجربة وتتمرَّن النفس أكثر فأكثر، لذلك فإنّ هذه الحالة المكتسبة وتجدّدها في كلّ عام تُعدُّ من أهمِّ عطايا الرحمن في هذا الشهر.
محمود سهلان
٧ شهر رمضان ١٤٣٩هـ
٢٢ مايو ٢٠١٨م
تعليقات
إرسال تعليق