ما لي لا أعتبر

ما لي لا أعتبر..

مرَّ رجلٌ يمشي على ثلاث، ومرّت عجوزٌ محدودبَةَ الظهر، وشابّةٌ جالسةٌ يجرَّها صبيٌّ على كرسيٍّ متحرك، ورأيتُ طفلًا يحبو، وطفلةً ملفوفةً بقماطً أبيض في حجرِ أمها، وسمعت أنّ غنيًّا وافتْه المنيةُ ولُفَّ في كفنٍ أبيض، ألبسه الكفنَ فقيرٌ منسيٌّ يسكن بجواره، فتعارك عيالُه على تركته، وامتنعوا عن زيارةِ قبره، لأنّه -بكلِّ بساطةٍ- مضى وتسبّب بخلافً حادٍّ بينهم!!

فتحتُ التلفاز على نشرةِ الأخبار المقيتة، فشاهدتُ حادثةً قضى فيها ألف إنسانٍ حتفه، وقنبلةً حطَّمت مدينةً بأكملها بحثًا عن السلام!! لكنّ حمامةً بيضاء ناصعةً قد نَفَقت وفي منقارها غِصن زيتون مخضَّبٍ باللون الأحمر، وحولها تحومُ حمامةٌ أخرى، لكنّ الجُثثَ في المدينة لا يحومُ حولها إلا الذئاب.. مع اختلاف أجناسها؟!

نسيتُ أنْ أقول: أنَّ الرجلَ الغني وافاه الأجلُ مريضًا، ولم تسعفه نصفُ ثروتِه للعلاج، وعندما ماتَ سريريًا، أماتَه أبناؤه بضغطةِ زرٍ، فانتقل لضغطةِ قبرٍ موحشٍ مخيفٍ..

نالَ -جارُه- الفقير إرثًا غيرَ محتَسبٍ، فاشترى دارَه، وسيارتَه، وتزوَّج ابنتَه، وترأَّس مؤسساته، ولم يذكره بخيرٍ أبدًا، هذا كلّ ما جناه بمالِه وسوءِ أخلاقه..

شبَّ البياضُ في شعري، فغدوت أتأملُ ما يدورُ حولي، وبينما كنتُ ساهٍ، سقطَ كوبُ القهوةِ من يدي، وانكسرَ الكوب، وأُريقت القهوةُ بفعلِ فاعلٍ.. فتحت عينيَّ وإذا بشخصٍ أعرفه يقفُ أمامي، فخاطبتُه قائلًا: أنتَ كما أنت، مغرورٌ مذ عرفتك، لا تغيّرك العبرُ والمواعظ..

تنفَّستُ قليلًا وأمعنتُ النظر..

مهلًا، إنّه أنا.. عفوًا، أقصدُ أنّها صورتي قد انعكستْ على المرآة!!

محمود سهلان
٢٣ رجب الأصب ١٤٣٩هـ
الموافق ١٠ أبريل ٢٠١٨م

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مِدادُ أوال من ينابيعِ الخِصال (٢) التوحيدُ أصلُ الأصول

كراهة نيَّة الشر

الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة: المقال العشرون