العلمُ بالكتابة
تُعد الكتابة من أهم الأدوات لكسب العلم وحفظه، لا سيما إذا كانت حِسِّيةً بالقلم والورقة لتفاعل العقل مع حركة القلم على الأوراق، وتشتد الأهمية كثيرًا لطالب العلم، وأخصُّ بالذكر طلبة العلوم في الحوزات الشريفة.
ما أراه -بحسب التجربة- أنَّ كمال وتمام العملية يتحقق على مراحل، وكلما أتقنها الطالب ازداد قربًا من الكمال والتمام، وارتقى في درجات تحصيل العلم والمعرفة، وهي كالتالي:
المرحلة الأولى: لا بدَّ لطالب العلم المجدِّ في دروسه من التحضير لدروسه سَلفًا بحيث إنَّه لا يحضر الدرس إلا وقد قرأ الدرس وفهم شيئًا من مطالبه، ومن تمام هذه المرحلة أنْ يكتب الطالب فهمه الأولي أو شرحه للعبارة أو خلاصة المبحث أو ما شابه.
المرحلة الثانية: وهي مرحلة حضور الدرس والتلقي من الأساتذة، وفيها يستمع الطالب لأستاذه ويستفهم منه، وقد يناقش أستاذه أو عبارة الكتاب أو نفس المطلب، وأثناء الدرس ينبغي له ألَّا يلقي القلم من يديه ويكون جاهزًا لكتابة التعليقات أو التحشية في الكتاب أو في دفتر أو أوراق.
المرحلة الثالثة: مرحلة ما بعد الدرس، وتتضمن أمرين مهمين: أولهما مراجعة الدرس والتأكُّد من مستوى الفهم الذي تمكن منه، وثانيهما هو تقرير الدرس وكتابة الطالب لفهمه، وفي هذه المرحلة تكتمل العملية العلمية فيتوثَّق الطالب من فهمه، وقد يكتشف بعض الخلل في فهمه أو تطرأ في ذهنه بعض الأسئلة أو الإشكالات أو الأفكار أو ما شابه.
هذا هو مختصر العملية وإلا فإنَّ كلَّ مرحلةٍ تتطلب تفصيلًا لوحدها لا سيما إذا لاحظنا اختلاف المراحل الدراسية والمجال العلمي والكتاب وغير ذلك، وأنت تلاحظ أنَّها كلُّها تحتاج إلى الكتابة فإنَّ ما كُتب قرَّ وما حُفِظ فرَّ، فيتقوم الفهم ويُحفظ العلم من خلال تقييده بالكتابة.
أختم كلامي بهاتين الروايتين الشريفتين -من الكافي الشريف- تأكيدًا على أهمية الكتابة في الفهم والحفظ:
١- عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام)، قال: القلبُ يتَّكلُ على الكتابة.
٢- عن أبي بصيرٍ، قال: سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) يقول: اكتبوا فإنَّكم لا تحفظون حتى تكتبوا.
محمود سهلان العكراوي
الثلاثاء ١٩ جمادى الآخرة ١٤٤٥هـ
الموافق ٢ يناير ٢٠٢٤م
تعليقات
إرسال تعليق