الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة: المقال الخامس والثمانون
تقريراتٌ مختصرةٌ لدرس سماحة السيِّد محمَّد
السيِّد علي العلوي (حفظه الله)، في كتاب الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة، بقلم
محمود سهلان العكراوي:
المقال الخامس والثمانون:
في
مسألة اللعن يختلف الحال بينما إذا قال الإمام (عليه السلام): (لَعَنَه الله) مُطلقًا،
وإذا كان اللعن لأمرٍ ما كأنْ يقول الإمام (عليه السلام): (لَعَنَه الله لأنَّه
كذا)، أيْ كان اللعن لسلوكٍ معينٍ لا لسلوكه العام، وفي هذا الثاني هل يكون هذا
طردًا من رحمة الله أم له مُرادٌ آخر؟ نُجيب عن هذا السؤال في محله.
تنبيهٌ:
كتاب
اختيار معرفة الرجال للكشِّي فيه الكثير من المعارف، وما يؤخِّره عن كتاب النجاشي اعتماد
الشيخ النجاشي على الأحاديث الصحيحة فقط في التوثيقات، حيث إنَّه كان لا يستدل على
وثاقة أحدٍ إلا بروايةٍ صحيحة السند، أمَّا الكشِّي في كتابه فلم يتخذ هذا المنهج،
وذلك لأمرين: الأول: بناءُ المتقدمين على أصالة عدالة المسلم، فإذا كان الراوي لم
يُوثَّق ولم يرد فيه قادحٌ أُخِذ بروايته لهذه الأصالة، والثاني: هو الاستغناء
بالتضافر أو الاستفاضة في الروايات عن النظر في السند، وهو ممَّا بنى عليه السيد
الخوئي كما سيتضح.
يُعدُّ
محمَّد بن مسلمٍ من أصحاب الباقر والصادق (عليهما السلام) قطعًا، بحسب ما قاله
الشيخ في رجاله، وقد عدَّه من أصحاب الكاظم (عليه السلام) كذلك، فيما عدَّه البَرْقي
من أصحاب الباقر والصادق (عليهما السلام) فقط، فالقدر المتيقن أنَّه من أصحاب
الباقر والصادق (عليهما السلام)، وبقي أنْ نتوثق إنْ كان من أصحاب الإمام الكاظم
(عليه السلام) أم لا؟ وسنتطرَّق لهذا الأمر في محله.
وقد
وردت فيه ثلاث طوائف من الروايات في كتاب اختيار معرفة الرجال:
الطائفة
الأولى: التي لم يُمدَح فيها ولم يُذم.
الطائفة
الثاني: التي مُدِح فيها.
الطائفة
الثالثة: التي ذُمَّ فيها.
الطائفة الأولى: الروايات التي لم يُمدَح
فيها ولم يذم:
الرواية
الأولى: حدَّثنا محمَّد بن مسعودٍ، قال: سَمعتُ أبا الحسن علي بن الحسن بن علي بن
فَضَّال يقول: كان محمَّد بن مسلمٍ الثقفي كوفيًّا، وكان أعورَ طحَّانًا.
لا
مدح ولا ذم فيها كما هو واضح.
الرواية
الثاني: حدَّثني حَمْدَويه، قال: حدَّثنا محمَّد بن عيسى، عن ابن فَضَّال، عن ابن
بُكير، عن محمَّد بن مسلم، قال: إنِّي لنائمٌ ذات ليلةٍ على السطح إذْ طَرق الباب
طارقٌ، فقلت: مَن هذا، فقال: شَريك يرحمك الله، فأشرفت فإذا امرأة، فقالت: لي بنتٌ
عروسٌ ضربها الطَّلْق، فما زالت تطلق حتى ماتت والولد يتحرك في بطنها ويذهب ويجيء
فما أصنع؟ فقلت: يا أَمَةَ الله سُئِل محمَّدُ بن عليِّ بن الحسين الباقر (عليه
السلام) عن مثل ذلك، فقال: يُشَقُّ بطن الميِّت ويُستخرَج الولد، يا أَمَةَ الله
افعلي مثل ذلك، أنا يا أَمَةَ الله رجلٌ في سترٍ، مَنْ وَجَّهَكِ إليَّ؟ قال: قالت
لي: رحمك الله جِئت إلى أبي حنيفة صاحب الرأي فقال: ما عندي فيها شيءٌ، ولكنْ عليكِ
بمحمَّد بن مسلمٍ الثقفي فإنَّه يخبر، فمهما أَفْتَاكِ به من شيءٍ فعودي إليَّ فأَعْلِمِينيه،
فقلتُ لها: امضي بسلامٍ، فلمَّا كان الغد خرجتُ إلى المسجد وأبو حنيفة يسأل عنها
أصحابه فتنحنحت، فقال: اللَّهم غفرًا، دعنا نعيش.
هذه
الرواية منقولةٌ عن محمَّد بن مسلم، وفي علم الرجال يبني العلماء على عدم توثيق
الراوي من خلال روايةٍ يرويها عن نفسه، كما لو نقل روايةً يمدحه الإمام فيها فلا يوثِّقه
العلماء من خلالها، وهي من مسائل علم الرجال التي هي محل نقاش.
شَريك
قاضٍ أمويٌّ عباسيٌّ لكنَّ الذي استقضاه هم بنو العباس، وتكرر منهم تنصيبه في
القضاء وإزاحته أكثر من مرة، والرجاليون من العامَّة جعلوا له شأنًا، وفي أعيان
الشيعة أنَّه شيعي، ولكنَّ الإمام الصادق (عليه السلام) أظهر عدم رضاه عنه لأنَّه
قبل بالقضاء دون إذنه، وصاحب أعيان الشيعة يرى أنَّ عدم الرضا لقبول القضاء فقط
وإلا فهو رجلٌ شيعيٌّ.
ونلاحظ
أنَّ شريكًا هنا جاء مع امرأةٍ لمحمَّد بن مسلم تستفتيه في المسألة المذكورة في
الرواية، وهذا يدلُّ على أنَّ محمَّدًا بن مسلمٍ يُقصد من أجل الفتوى، وقد أجاب
بكلام الإمام الباقر (عليه السلام)، ويتضح أنَّ الذي أحال المرأة على محمَّد بن
مسلم هو أبو حنيفة، وطلب منها الرجوع بالجواب إليه.
في
قوله: "فلمَّا كان الغد خرجتُ إلى المسجد وأبو حنيفة يسأل عنها أصحابه
فتنحنحت"، وهو المنقول عن اختيار معرفة الرجال، أمَّا المنقول عن معجم
رجال الحديث هو: (وأبو حنيفة يسأل عن أصحابه)، وبالاعتماد على اختيار معرفة الرجل فإنَّ
أبا حنيفة كان يسأل عن المرأة لا عن أصحابه، وتَنَحنحَ محمَّد بن مسلم ليبيِّن أنَّها
جاءته هو، فيما كان أبو حنيفة يريد أنْ يُرجِع الأمر لنفسه فقال (غَفْرًا) أيْ
استر.
وقد
جعل السيد الخوئي هذه الرواية في الروايات التي لا مدح ولا ذمَّ فيها، ومرادنا من
بلا مدحٍ فيها أيْ لم يُمدَح فيها بشكلٍ مباشرٍ، ولكنَّ هذه الرواية تكون متمِّمةً
إلى منهجية البحث في كتاب الكشِّي، لأنَّه كان يريد القول أنَّ هذا الرجل مدحه
الأئمة أو ذموه، وهذه الرواية ليست مدحًا ولا ذمًّا.
الرواية
الثالثة: حدَّثني حَمْدَويه بن نصير، قال: حدَّثنا محمَّد بن عيسى، عن ياسين
الضرير البصري، عن حَريز، عن محمَّد بن مسلم، قال: ما شَجَرَ في رأيي شيءٌ قَطُّ
إلا سألتُ عنه أبا جعفرٍ (عليه السلام) حتى سألته عن ثلاثين ألف حديثٍ، وسألتُ أبا
عبد الله (عليه السلام) عن ستة عشر ألف حديثٍ.
في
ختام الحديث عن هذه الطائفة أُريد الوقوف على أمرٍ، وهو في حال أنَّني وقفتُ مع
شخصٍ وتبادلنا الحديث فالذي يؤثر في فهمنا هي هيئة الكلام، وهذه مفقودةٌ في
الروايات، فهذا العدد الكبير من الأحاديث عن محمَّد بن مسلم ما نُقِلتْ لنا كما
هي، فالروايات دُوِّنت على نحو الإخبار، لا طلب إنشاء خبر، وبالتالي لو قرأنا
روايات أهل البيت من أولها لآخرها عشرين مرةً، يترتب عليها فوائد عظيمة قطعًا، لكنَّ
سؤال محمَّد بن مسلمٍ سؤالًا واحدًا وتلقيه الجواب عن الإمام يحقق الفائدة
الكاملة، لأنَّ هيئة المقام والحال مؤثِّر، ولذلك لا نأتي للروايات ونقول أنَّنا
نستغني بها عن باقي العلوم، فهو صحيحٌ لكنْ في مقام الثبوت لا الإثبات، وهذا أمرٌ
مهمٌّ جدًّا ينبغي أنْ نعيَه جيدًا. هذه المسألة مفقودةٌ عندنا، ولا يصحُّ أنْ
نساوي بيننا وبين محمَّد بن مسلمٍ في فهم المطلب لِمَا ذكرناه.
في
الواقع الكثير من المشاكل بيننا راجعةٌ لعدم الالتفات لبعض الحلقات المفقودة،
كالتي ذكرناها من أهمية الهيئة في مقام الكلام، ومساواتنا لأنفسنا مع أصحاب الأئمَّة
من هذه الجهة، وهذا ما يؤيد أنَّ العلوم الأخرى تعوِّض شيئًا ممَّا نفقده من
الهيئة، لا أنَّها تحلُّ محلَّها حُلولًا تامًّا.
استطرادٌ:
يأتي
من يُشكِل على طلبة العلم ويقول أنَّكم لا تعملون اليوم فيما كان الأئمَّة (عليهم
السلام) وأصحابهم يزاولون الأعمال، وفي الواقع أنَّ الأئمَّة لا يحتاجون أنْ يتعلموا
من الكتب ويحضرون الدروس، وأمَّا الأصحاب فلا تصحُّ المقارنة معهم لأنَّ المقارنة
تصحُّ في حال تساوي جميع الجهات، والأمر ليس كذلك، وهذا ممَّا نتعلمه في المنطق.
الطائفة الثانية: الروايات التي مُدِح فيها:
الرواية
الأولى: حدَّثني محمَّد بن قولويه، قال: حَدَّثني سعد بن عبد الله بن أبي خلفٍ
القمي، قال: حدَّثنا أحمد بن محمَّد بن عيسى، عن عبد الله بن محمَّدٍ الحجَّال، عن
العَلَاء بن رَزَين، عن عبد الله بن أبي يعفور، قال: قلتُ لأبي عبد الله (عليه
السلام): إنَّه ليس كلُّ ساعةٍ ألقاك ولا يمكن القدوم، ويجيء الرجل من أصحابنا فيسألني
وليس عندي كلُّ ما يسألني عنه، قال: فما يمنعك من محمَّد بن مسلمٍ الثقفي، فإنَّه
قد سمع من أبي وكان عنده وجيهًا.
سمع وكان وجيهًا، وهنا مسألةٌ مهمَّةٌ في الدراية، نستفيد شرط الوجاهة بمعنى الوثاقة من الإمام لاستعماله فاء التعليل، فأقول أنَّ المقصود هو الراوي المباشر عن المعصوم، وقد ذكرتُ ذلك في كتاب تحرير المسائل، وليس المراد هو السند بكلِّ رجاله.
تعليقات
إرسال تعليق