من هنا وهناك (٧٠) طفلكَ يعرض نفسه عليك
عندما يأتي الطفل إلى أحد والديه فإنه يريد أن يعبِّر عما بداخله، وقد يعبر عن ذلك بالكلمات، وقد يضيف إليها ابتسامةً أو عُبوسا، وقد يضطر للملامسة والاحتضان وغيرها من التصرفات، فهو في الغالب لا يمتلك القدرة الكافية على التعبير، خصوصًا في سنوات العمر الأولى، لكن درجة الصدق عنده غالبًا تكون عالية، فإن لم يقلها بلسانه تمكنَّا من فهمها من باقي تصرفاته.
إذا كان الأمر كذلك فأهم ما يريده الطفل في مثل هذه الحالة هو الاستماع، وإبداء الاهتمام بشكلٍ مناسبٍ يتمكن من ملاحظته وفهمه بحسبه، وبالتالي فإن مبادرة الطفل للكلام والتعبير عبارةٌ عن فرصةٍ كبيرةٍ للأبوين لمعرفة أفكاره، ونفسيته، ومشاعره، وحاجاته، وغيرها من الأمور، فهو في الواقع نوعٌ من التبرع من الطفل، كيف؟
بكل بساطة يتمكن الأبوان من معرفة شخصية الأطفال بنسبة عاليةٍ جدًّا عندما يتركون لهم المجال للتعبير عما بذواتهم، فإن الطفل ببراءته يقدم غالبًا كل ما بداخله لأبويه، وكلما شعر بالأمان والتجاوب أخرج مكنوناته لهما، فما يشغل باله في بدايات عمره ليس كما يشغل الكبير، فيكفيه الشعور بالأمان وبعض الأمور البسيطة.
إذا لم يستمع الأبوان للأبناء فهما يدمرانهم بكل بساطة، فيحرمان الطفل من المساحة الآمنة التي يعبر فيها عن نفسه، ويحرمان نفسيهما من معرفة طفلهم بشكلٍ جيد، فتتأثر نفسية الطفل وتبدأ الكثير من العقد النفسية بالظهور، ويبدأ نوعٌ من البعد بينه وبين والديه، مما يخلق فراغًا قد يشغله شخصٌ غير مناسب، كما أنهما - إذا لم يستمعا للطفل - لا يعرفان منطلقات التعامل مع الطفل بالشكل المناسب..
إن الأطفال الذين يعبرون عما في أنفسهم في الواقع هم يقدمون خدماتٍ مجانيةٍ للأبوين، وبالتالي لا ينبغي تضييع مثل هذه الفرص وجعل هذه الحالة وبالًا على الطفل عوضًا عن استثمارها في صالحه..
أمَّا التعذُّر بتكرار الطفل لنفس الكلام والأفعال والطلبات، فهو عذرٌ غير مقبولٍ أبدًا، فإنه بتكراره يؤكد ما قلناه في أنه يعرض نفسه أمامك، فتعرف الكثير من دوافعه الفكرية والنفسية في كلامه وأفعاله.
محمود سهلان
١٩ جمادى الأولى ١٤٤١هـ
١٥ يناير ٢٠٢٠م
تعليقات
إرسال تعليق