تقليد أهل الفسوق The Voice
تقليد أهل الفسوق The Voice
تعرضُ بعض القنوات مسابقاتٍ للمغنّين والمطربين، يقدمون فيها ما يملكون من قدراتٍ فنيةٍ -كما يعبرون- وأصواتٍ جميلة، ويتقدّمون من مرحلةٍ لأخرى بعد تقييم اللجنة التحكيميّة للأداء، كما أنه يُسمح للجماهير بالتصويت أحيانا، ليختاروا نجمهم المفضّل أو نجمتهم المفضّلة، وفي الختام بعد عدّة مراحلَ وحلقاتٍ ينتهي العرض بفوز أحد المتسابقين..
قد تُفهم هذه الحالة في أوسائط أولئِك مع رفضها من قِبلِنا قطعًا، لكنَّ أمثالَهم لا نستغرب منهم شيئا، ولا أطيل في توصيف أحوالهم، فليس ذلك ما أردت.
من المؤسف أن تنتقل الحالة إلينا، ليكونَ لدينا نسخة كربونية من هذه البرامج، لكنّ التسابقَ يكون بقصائد الرثاء، مع وجود لجنة تحكيمٍ وغير ذلك ممّا نراه في برامج غيرنا التي تناسبُ مجالس اللهو، وبنفس الأساليب المتّبعة، حتّى أن لجنة التحكيم تصفّق أحيانًا بعد استماعها لقصيدة الرثاء؟!
في الغناء يُنظر إلى الصوت بالدرجة الأولى ومدى تفاعل المغني مع كلمات الأغنية.
ولكن في القصيدة الإسلامية المعنية بإحياء ذكرى مواليد ووفيّات أهل البيت (عليهم السلام) فالنظر أولًا إلى مدى الصدق والإخلاص، وعندها قد يُعدّ الصوت العادي صوتًا ملائكيًا، والأمثلة على ذلك كثيرة جدًا.
عندما نستورد مثل تلك المسابقات، فإننا نفرغ الروح من الأداء الولائي للقصيدة، ونحولها إلى لونٍ من ألوان الغناء والإطراب!!
لا بدّ أن نعي الطريق الذي نسلكه، وإلَّا فبعد وقوع الفأس في الرأس، لن ينفع العويل.. هذا إذا شعرنا بضربة الفأس!!
لم أفهم لحدّ الآن السبب الحقيقي وراء الإعداد لمثل هذا البرنامج، والداعي لـ (تقليد) برامج أهلِ الفسوق، وتطبيقها كما هي بمادةٍ أخرى وهي قصائد الرثاء؟!
إذا كنتم لا تستطيعون الإبداع في مجال الإعلام، ولا تتمكّنون من ابتكار أساليبَ جديدةٍ مناسبة، فلا تخلطوا الأمور، فكيف راقَ لكم أن تقدموا برنامجًا بهذا الشكل، مقتبسًا بشكلٍ واضحٍ من برامج لأناسٍ لهم ثقافتهم وأفكارهم البعيدة كلّ البعد عن ثقافة وفكر أهل البيت (ع) والمؤمنين؟ هل نحن مضطّرون لذلك؟
لا أجد أيّ مبرّرٍ عقلائي للقيام بهذه المسابقة، وعرضها على شاشة التلفاز، فلا نعاني نقصًا في مجال المنشدين والرواديد والشيّالة، ولا أن هذا الأسلوب سيضيف شيئًا جديدًا لنا في هذا المجال، فالمبدعون الذين يخدمون أهل البيت (ع) في هذا المجال أنشأهم المأتم وأنشأتهم مواكب العزاء، وما زال الحال كما هو عليه، أمّا ما تصنعون فهو لا يقدّم شيئًا سوى الخلطِ بين الجيّد والرديء، وبين النقيّ والفاسد، فهو خطوةٌ نحو التماهي الثقافي مع أولئِك، ومع مرور الأيام سيصبح الأمر عاديًا، وتتكون ثقافاتٌ جديدة، فيكون المغني والرادود واحدًا في أعين الأجيال القادمة..
في الواقع نحن نعاني من مسألة التقليد والاستيراد من الثقافات الأخرى، دون ملاحظة ما إذا كنّا نحتاج لذلك أم لا، ودون مراعاةِ مناسبته لنا أم لا، فنقلِّدُ انبهارًا، ونقلّد من أجل التقليد، والشهرة وغير ذلك.
عندما نسعى لاستيراد شيءٍ دخيلٍ على مجتمعنا وواقعنا الثقافي لا بدَّ أن نلاحظَ بعض الأمور، أولها كوننا نحتاج إليه فعلا، ثم أنه لا بدّ أن يكون مناسبًا لأوضاعنا المجتمعيّة والثقافية الحالية ثانيًا، بل ولا بدّ أن نحاول أن نتوثَّق من كونه لن يسبّب الضرر على مجتمعنا وثقافتنا مستقبلا، أو أن يكون ضرَرُه يسيرًا نستطيع تحملَّه كمجتمعٍ في سبيل مصلحةٍ أعلى.
اليوم استوردت إحدى القنوات هذا البرنامج، وصبغته بصبغةٍ مغايرة، وسبق أن استوردنا غيره من الأساليب التي نستعمله اليوم في نفس المجال، واستوردنا غيرهما في مجالاتٍ أخرى، وهو كثير، ولكننا لا زلنا لا نعي الدرس جيّدًا للأسف..
كلّ خوفي وهو أمرٌ لا أستبعده في المستقبل القريب، أن نستوردَ ونقلد برامج أخرى، أكثر فسادًا وانحلالًا من هذا البرنامج، فنحن في زمنٍ صار المنكرُ فيه معروفًا، والمعروف منكرًا، ويُذابُ قلبُ المؤمن فيه في جوفه ولا يستطيع تغيير شيءٍ من ذلك..
والله المستعان..
محمود سهلان
٢٢ شهر رمضان ١٤٣٩هـ
٦ يونيو ٢٠١٨م
تعليقات
إرسال تعليق