الشيخ حسين العلَّامة وقوة الحفظ
قال الشيخ البلادي (رحمه اللَّه) في أنوار البدرين: "كان يُضرب به المثل في قوة الحافظة، ملازمًا للتدريس والتصنيف والمطالعة والتأليف، مواظبًا على تعزية الحسين -عليه السلام- في بيته في كلِّ وقتٍ منيف، لا تخلوا أوقاته من بعض ما ذكرناه وحدَّثني العالم الفاخر المرحوم الشيخ ناصر بن نَصر اللَّه القطيفي -رحمه اللَّه تعالى- وكان على غير مذاقه عمَّن يثق به، أنَّ هذا الشيخ أتى لبلاد القطيف مسافرًا لحج بيت اللَّه الحرام وزيارة النبي وآله -عليه وآله أفضل الصلاة والسلام- واجتمع بالسيد الأمجد السيد محمد الصنديد القطيفي -رحمه اللَّه- وكان هذا عنده من الكتب النفيسة الكثيرة ما لا توجد عند غيره، فرأى عنده كتابًا هو يتطلبه [يطلبه] من كتب الأخبار فالتمس منه أنْ يَصحبَه إياه في سفره لينقله عنده، وكان السيد ضنينًا بذلك لعدم وجود نسخته فلم يُعطه إياه، فبقى الكتاب المذكور عند الشيخ المذكور أيامًا يسيرةً مدة جلوسهم في القطيف ثم أعطاه الكتاب وسافر، فلما قضى مناسكه وزيارته رجع على البر مارًا ببلاد القطيف، فلما اجتمع بالسيد أمره أنْ يأتيه بذلك الكتاب فأتى به إليه فاستخرج نسخةً جديدةً كراريس مكتوبةً عديدةً ليقابله عليه، فقال له: هل وجدت نسخةً ونقلته؟ فقال: لا ولكنَّني تتبعته وحفظته وكتبته على حفظي بأبوابه وترتيبه وأسانيده، فتعجَّب السيد والحاضرون عجبًا عظيمًا، وقابله به طبقًا لم يختلف عنه إلا يسيرًا لا يُذكر انتهى، وهذا من عجائب الأمور وشذَّ أنْ تحتمله القلوب البشرية والصدور، ويُنقل عنه في الحفظ الأمور الغريبة ويكفيه إملاؤه (النفحة القُدسية في الصلاة اليومية) المشهورة اليوم على تلميذه وكاتبه الشاعر الأديب الشيخ محمد الشويكي الخطي في ثلاثة أيامٍ، ويذكر فيها الأقوال والأدلة إجمالًا حتى نظمها الشعراء في مدائحهم لهم ولها فقال الشيخ محمد المذكور:
حَبَّذا نفحة قدسٍ لا تُضاهى في صلاةٍ أرضتِ الربَّ الإله
بنتُ يومين ويومٍ برزت في صدور الطرس تَهدي من تلاها
تُطرب الرائيَ والراوي ولا عجبٌ ممَّن رآها ورواها
إلى آخر الأبيات وهي كثيرة".
أقول: ملامح قوة هذا العالم كثيرةٌ جدا، ما جعله من أبرز علماء البحرين بل الطائفة كلها، ومصنفاته الكثيرة المتقنة تحكي ذلك. ومن أبرز صفاته ومميزاته الشخصية -كما يتضح مما نقلناه- قدرته الهائلة على حفظ النصوص، حتى اشتهر بذلك بين من عرفه.
في تلك العصور التي كان فيها الكتاب شحيحًا وثمينًا جدا، كان العلماء يفتقدون بعض الكتب التي يحتاجونها، ويسعون إلى تحصيلها ويبذلون الجهد في ذلك، كما فعل الشيح حسين (قدِّس سره) حيث اضطر لحفظ الكتاب ثم مطابقته بالنسخة الأصلية، وقد لا يتمكنون من ذلك أحيانا، ومع ذلك أنتجوا ما أنتجوه مما وصل إلينا ومما لم يصل..
أما في زماننا هذا فصار تحصيل الكتب أسهل بكثير، خصوصًا الكتب الأساسية كموسوعات الحديث والموسوعات الفقهية وما شابه، بالإضافة لتوافر هذه الكتب على الأجهزة والتطبيقات الإلكترونية، وبالتالي لا بد لنا من محاولة استثمار هذا الحال، فإننا بالمقارنة مع ما كان يعانيه العلماء الأعلام في تحصيل الكتب والمصادر وأجوبة المسائل نعيش في نعمةٍ حقيقيةٍ من هذه الجهة، فلنسعَ لاستثمار الفرصة وتحقيق ما نتمكن من تحقيقيه من أجل الإسلام، ومن أجل مجتمعاتنا المؤمنة.
مما ذُكر في أحوال هذا الفقيه الجليل اهتمامه بمجالس تعزية الإمام الحسين (عليه السلام) وإحيائها في بيته، مما يعطي إشارةً لحالةٍ اجتماعيةٍ معينة، وهي إقامة مجالس التعزية في المنازل في تلك الفترة، مما يفتح الباب أمام الباحثين في هذا المجال للتعرف أكثر على هذه الحالة، ومحاولة فهمها والتأكد من حدِّها، ككونها بلغت حدَّ أن تكون ظاهرةً اجتماعيةً أم لا، وغير ذلك من الفوائد المترتبة على البحث في هذه المسألة..
* مقتبس من كتاب: قرة العين من اللؤلؤة إلى أنوار البدرين - محمود سهلان - ص٣٥.
أفتدتم كثيرا شيخنا فبارك في جهودكم في نشر المعارف الدينية،
ردحذففعلا نحن نعيش في زمنٍ أصبح الوصول للمعلومات سهلا ويسيرا فلا عذر لمن أعتذر
أحسنتم شيخنا الجليل وبارك الله فيك لتبيان بعض مقامات ومكانة هذا العلم الفذ قدس الله نفسه.
ردحذف