تلي ليلةَ القدرِ في الفضل



     جعلَ الله تعالى لبعض المواقيت خصوصيةً وفضلًا على غيرها، سواء كانت هذه المواقيت زمانيةً أو مكانية، فجعلَ ليلة القدر خيرَ ليلة، وجعل شهرَ رمضان خير الشهور، وجعل لمسجد الكوفة خصوصية، وهكذا.

     من تلك الليالي التي جعل الله تعالى لها خصوصيةً وفضلًا ليلة النصف من شعبان، وقد زيَّنها بولادة سيدنا ومولانا صاحب العصر والزمان (عجَّل الله فرجه الشريف)، وجعلها ليلة عبادةٍ وتقرُّبٍ له تعالى، وجعلها ميقاتًا لقضاء الحاجات، وكما جعل ليلة القدر لرسوله الأعظم (صلَّى الله عليه وآله)، جعل هذه الليلة لآلِ بيته (عليهم السلام) بإزاء تلك الليلة.

     ومما يُؤسفُ له أننا نغفلُ عن إحياء هذه الليلة العظيمة، وإنْ كنتُ أزعمُ علمي ببعض أسباب هذا الترك، لكنَّني لست في وارد الحديث عنها، كي لا أخرج عن مقام الكلام، وهو بيان فضل هذه الليلة، من خلال سرد بعض الروايات الواردة فيها، ومنها:

1-    ما رُوي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: سُئِلَ الإمام الباقر (عليه السلام) عن فضل ليلة النصف من شعبان، فقال: "هي أفضلُ الليالي بعد ليلة القدر. فيها يَمنحُ الله العبادَ فضلَهُ ويغفرُ لهم بمنِّهِ فاجتهدوا في القربة إلى الله فيها فإنها ليلةٌ آلى الله على نفسه أنْ لا يردَّ سائلًا فيها ما لم يسألِ الله المعصية، وأنها الليلةُ التي جعلها الله لنا أهلَ البيت بإزاء ما جعل ليلة القدر لنبينا (صلَّى الله عليه وآله) فاجتهدوا في دعاءِ الله والثناءِ عليه". [الشيخ الطوسي، مصباح المتهجد].

2-    رُوي عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) أنه قال: "أنَّ قلبَ من أحياها لن يموتَ يومَ تموتُ القلوب". [السيد ابن طاووس، إقبال الأعمال].

3-    عن الإمام الصادق (عليه السلام)، قال: "مَن أحبَّ أنْ يصافحَهُ مائةُ ألفٍ وعشرونَ ألفَ نبيٍّ، فليزُرْ قبر الحسين (عليه السلام) في نصف شعبان، فإنَّ أرواحَ النبيينَ تستأذنُ الله تعالى في زيارته فيُؤذَنُ لهم". [الشيخ الطوسي، مصباح المتهجد].

4-    وعنه (عليه السلام) قال: "إذا كان النصفُ من شعبان نادى منادٍ من الأفق الأعلى: زائري الحسين (عليه السلام) ارجعوا مغفورًا لكم، ثوابُكُم على ربِّكم ومحمدٍّ نبيِّكُم (صلَّى الله عليه وآله)". [الشيخ الطوسي، مصباح المتهجد].

 

     هذه بعضُ الروايات التي تبيِّنُ فضلَ هذه الليلة، لذا ينبغي للمؤمنين أنْ يتعرَّفوا على فضله، ثمَّ ينبغي لهم إحياؤها، إما بالإحياء الجماعي بالمساجدِ والمجالسِ كما جرى عليه بعض المؤمنين، وإما على انفرادٍ بمنازلهم كما هو الحال المعتاد في الأعمال المستحبة.

 

محمود سهلان العكراوي

الاثنين 13 شعبان 1444هـ

الموافق 6 مارس 2023م

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مِدادُ أوال من ينابيعِ الخِصال (٢) التوحيدُ أصلُ الأصول

كراهة نيَّة الشر

الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة: المقال العشرون