اخزنْ لسانك



يتسارع ويتسابق الناس في الكلام ونشر المعلومات، والحال أن الأصل هو الصمت، أما الكلام فإنه بحاجةٍ إلى داع يدعو إليه، وقد كثرت الروايات التي تتحدث عن فضيلة الصمت، وكونه من الحكمة، وأن السلامة فيه، وما إلى ذلك..

روي عنهم (عليهم السلام): "ما كلُّ ما يُعلمُ يُقال، ولا كلُّ ما يُقال حان وقته، ولا كلُّ ما حان وقته حضر أهله". [بحار الأنوار، ج٥٣، ص١١٥].

هذه كلمةٌ من المعصوم تحدِّد لنا أُطر هذه المسألة، وتجعل لنا حدودًا واضحةً للتعاطي معها:

أولا: معلومات الفرد منَّا كثيرة، وهي متجددةٌ ومتزايدة، لكن ينبغي لنا أن نقلِّب هذه المعلومات جيدا، فنحدد إن كانت مما يصح الإفصاح عنها أو لا، فإن كانت مما لا يُقال فالصمت هو الخيار، وإن كانت مما يُقال انتقلنا لمرحلةٍ أخرى.

ثانيا: ننظر فيما يصح أن يُقال فنلاحظ إن كان وقت الإفصاح عنه قد حان أم لا، فإن لم يحن الوقت فالسكوت والصمت، وإن كان الوقت قد حان انتقلنا لمرحلةٍ أخرى.

ثالثا: على فرض أن وقت الكلام قد حان، ننظر مرةً أخرى لنرى إن كان أهلُ هذا الكلام قد حضروا أم لا، فإنْ حضروا حان وقت الإفصاح، وإلا فالصمت حتى يحضر أهله.

بالله عليكم من منَّا ينظر في كل هذه الحدود عندما يتكلم؟ ألسنا نعاني اليوم من الكلام في كل شيء؟

الكلُّ يتحدث في كلِّ شيءٍ وإلى الكل، بلا أدنى مراعاةٍ لأي حد، وبلا مراعاةٍ لما تقتضيه الحكمة.

قد يكون السببُ أن بعضَ الناس لا يعدُّون كلامهم من ضمن أفعالهم..

وهنا وصيةٌ من أمير الكلام (عليه السلام)، حيث قال في في وصيته لابنه محمد بن الحنفية: "وما خلق الله عزَّ وجلَّ شيئًا أحسن من الكلام ولا أقبح منه، بالكلام ابيضَّت الوجوه، بالكلام اسودَّت الوجوه، واعلم أن الكلام في وثاقك ما لم تتكلم به فإذا تكلمت به صِرت في وثاقه، فاخزنْ لسانك كما تخزن ذهبك ووَرِقك، فإن اللسان كلبٌ عقورٌ فإن أنتَ خلَّيته عقر، ورُبَّ كلمةٍ سلبتْ نعمة". [الفقيه، ج٤، ص٣٨٧-٣٨٨].

لماذا نحمِّل أنفسنا كل هذا بلا داعٍ ولا مسوغ؟!

لنتأمل كلام الإمام جيدا، ونراعي الحدود كما تستحق، ونسعى وراء الحكمة.

محمود سهلان
سترة العِلم - البحرين المحروسة
٤ شوال ١٤٤١هـ
٢٨ مايو ٢٠٢٠م

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مِدادُ أوال من ينابيعِ الخِصال (٢) التوحيدُ أصلُ الأصول

كراهة نيَّة الشر

الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة: المقال العشرون